شؤون التربية والتعليم بحر لا ساحل له، ومن يمخر عبابها، سيكتنفه الموج من كل مكان. حوارنا مع تربوي معتق كان شاهداً على الكثير من الأدوار التربوية التي مر بها تعليمنا. عمل معلماً فمشرفاً فمديراً. خاض تجربة كاملة في الوزارة ودول الخليج، وله تجربة ثرية مع القطاع الخاص. تعد مرحلة إداراته للمناهج في الوزارة أهم مراحل حياته الوظيفية، كان يأمل فيها بالكثير، لكن ذلك الكثير لا يريده البعض إلا قليلاً. الدكتور عبدالإله المشرف تعجز عن تصنيفه، فهو شخصية يسكنها التزام من نوع خاص قد لا يرضى ببعض التجاوزات والحريات، لكن في المقابل عندما تقرأ حرفه تتلمس حرية رأي تجعلك تتمنى لو أتيحت له فرصة ليصنع فارقاً. الميدان التربوي يختنق بالنظريات، ويستعجل الحلول، فتخرج النتاجات خداجاً لا تحقق المطلوب ولا يرضى عنها الكل. في آخر محطاته الإدارية خاض تجربة إدارة مدارس الرياض، تلك النوعية المخملية للتعليم التي استطاع من خلالها إنشاء ملتقى للقيادات الشابة يبشر من خلاله بجيل قادم يستحق الثقة والفرصة... إلى الحوار: كنت طالباً فمعلماً فمشرفاً تربوياً فقيادياً في الوزارة، ثم قيادياً مرة أخرى على مستوى التعليم في الخليج العربي، وأخيراً قيادة ميدانية على مستوى التعليم في القطاع الخاص، ما التغيير الذي صاحبك في مشوارك التربوي؟ - الخلاصة التي يصل لها الفرد بعد هذا المشوار المتنوع هي أن العملية التربوية التعليمية لا تخضع كثيراً للأنظمة بقدر ما ترتبط بثقافة المجتمع وقيمه، وبمستوى انتماء ومهنية الأفراد العاملين في المجال التربوي. فعلى رغم توافر كل المقومات المادية والنظرية تقريباً لبناء مؤسسات تربوية متطورة، والحصول على مخرجات نوعية مميزة في دول عدة في العالم، إلاّ أن الفوارق في جودة التعليم في المجتمعات تعود بالدرجة الأولى إلى ثقافة المجتمع ووعيه بأهمية التربية والتعليم للأفراد ومهنية وانتماء العاملين في الميدان التربوي. والمعادلة تكاملية بين دور التربية في الارتقاء بثقافة المجتمع، وتأثير ثقافة المجتمع في مستوى جودة الأداء التربوي، وإذا أردنا أن تنطلق قيادة التغيير في المجتمع من المدرسة، فلا بد أن نصنع في النظام التربوي قادة مهنيين وأكاديميين قادرين على توجيه العملية التربوية نحو تعزيز القيم الثقافية العليا، والتخلص من التقاليد والعادات السلبية في المجتمع ومن آثارها في التربية. والتعليم في المملكة إذا أراد أن يحقق التميّز والريادة، فلا بد من إعادة النظر في مستوى كفاءة ومهنية العاملين فيه، ومعايير الاصطفاء والتعيين، والعمل على الارتقاء بمستوى وعي المجتمع وتحقيق المشاركة الفاعلة له في تطوير التعليم. فلسفة المدارس المدارس هي المطبخ الرئيسي في التعليم، لكنها بلا صلاحيات تكفل لها الحراك الإبداعي؟ - لا توجد لدى وزارة التربية والتعليم في المملكة، بحسب ما أعلم، فلسفة واضحة حول دور المدرسة في المجتمع، وإذا كانت موجودة فهي غير مفعلة، هل المدرسة حاضنة لقيم المجتمع الحالية ومسؤولة عن قولبة الأفراد ليكونوا أعضاء جدداً في المجتمع ذاته؟ أم أن المدرسة قائد للتغيّر Change Agent، وبالتالي فهي مسؤولة عن تحويل الأفراد إلى رواد للتغيّر في المجتمع وقيادته نحو التميّز والريادة. والواقع الحالي يقول إن مدارسنا عملياً في أحسن حالاتها من النوع الأول، وبحسب ما أعلم فلدى الوزارة توجهات نحو منح المدارس المزيد من الصلاحيات، وهذا أمر محمود، غير أنه لكي يحقق النتائج المرجوة منه يجب أن يتوافر فيه عدد من المقومات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: برنامج إعادة تأهيل للقيادات المدرسية، لتمكينها من مهارات صناعة القرار وفق التوجهات الجديدة، واستبدال المديرين التقليديين بمديرين قادرين على تحقيق أهداف الوزارة من مثل هذا التوجه. منح المدير الصلاحية الواسعة وفق مساحة التغيير المستهدفة، والتقليل من وصاية الماليين، والعراقيل المالية على العمل الإبداعي، بمعنى عدم التقنين الدقيق والحرفي للمصروفات، لأن هذا يحدّ من الصلاحية ويقلل من مساحة الإبداع لدى القيادة المدرسية. اتباع المنهج العلمي في التطبيق، من خلال عينة تجريبية من المدارس، وتهيئة البيئة المدرسية والحي المحيط لهذا التغيير، وتوفير جهات الدعم المساندة، وتقويم التجربة بشكل مستمر، وتعزيز القيادات الناجحة والمميزة. الإشراك الفعلي لأولياء الأمور في صناعة القرار في المدارس وفق معايير تمكّن المدرسة من اختيار الكفاءات المجتمعية المميزة للمشاركة في المجالس الإدارية أو التنفيذية للمدرسة. مشاريع تطوير ولجان وزيارات واتفاقات دولية، وما زلنا نقول إن التعليم في السابق أفضل، أين الخلل؟ - الخلل في عدم الاستفادة من كثير من برامج الزيارات الدولية والاتفاقات ومشاريع ولجان التطوير بشكل فعلي في الميدان قد يكمن في كثير من الأسباب منها: غياب نظرية تربوية واضحة للتربية والتعليم تسهم في تحديد ما نريده بوضوح من البرامج الدولية والتطويرية، وبالتالي فكل فكرة تروق لمسؤول قد تجد طريقها للميدان في ظل عدم وجود نظرية تربوية واضحة ومعايير تحكم العمل التربوي في جميع عناصره. أيضاً ضبابية الرؤية حول ماذا نريد من مثل هذه البرامج والزيارات والاتفاقات، وبشكل خاص في الجانب الإجرائي التنفيذي، وعدم وجود آليات عمل واضحة مبنية على خطط تشغيلية وفق برنامج زمني محدد. ولا ننسى الفهم الجزئي لمفهوم التطوير وانحساره في جوانب محددة، كالتحصيل الأكاديمي أو التأهيل اللغوي. ونضع في الاعتبار تضاؤل دور الرقيب المجتمعي والعائلي وغياب التكامل بين المدرسة والمنزل. ومما لاشك فيه نلمس طغيان تأثير المؤسسات التثقيفية الأخرى كوسائل الإعلام في المؤسسات التعليمية الأساسية. القيم والتعليم لم يتضاءل المكوّن القيمي في بيئتنا التعليمية؟ - القيم هي حالياً التحدي الأكبر للنظم التربوية بشكل عام، لذا تبنت العديد من الدول المتقدمة برامج خاصة بالتربية القيمية Character Education والتدريب القيمي Character Training ، والحمد لله ثقافتنا الإسلامية كلها قيم سامية، ولا تزال في نظري الأصل في بناء الكثير من القيم التي نفخر بها في مجتمعاتنا. هل هناك فلسفة واضحة للوزارة تنطلق منها؟ - نظرياً: نعم: عملياً: لا ولا أعتقد أن الواقع يصدقها. وزارة التربية هل كانت فلسفاتها تزعجها؟ - ليست لدى الوزارة سوى وثيقة سياسة التعليم، لكنها لم تترجم بنودها وعناصرها إلى برامج عمل تطبيقية بشكل يجعل من السياسة منهج عمل، ولدى بعض قيادات الوزارة قناعة بأن الوثيقة انتهى عصرها، وتخضع الوزارة كثيراً للصوت الإعلامي في هذه القناعة، على رغم أن الواقع يقول إن الوثيقة منذ إعدادها لم تفعّل بطريقة صحيحة، وهي دستور وسياسات عامة قابلة بنودها للتفسير والتعديل والتطوير لأجيال عدة. وزارة التربية هل حضنت التيارات، أم جعلت لكل شيخ طريقته؟ - وزارة التربية هي شيخ له طرق عدة هو نفسه لا يعرف بعضها. فلسفة التنوع في التعليم عندنا هل من خوف على انقراضها؟ - التنوع لدينا محدود وهو في أحسن أحواله محصور في القوالب، غير أن المحتوى واحد والنتيجة واحدة. هل بالفعل مناهجنا مختطفة؟ - هذه من الاتهامات الباطلة التي تروّج لها فئات من الناس لهم أهداف وأجندات خاصة، ويستخدمون عبارات مضللة مثل كلمة مختطفة، إذا كانت مناهجنا مختطفة لأنها تلتزم بالقيم الإسلامية والضوابط الشريعة، فبلادنا كلها مختطفة أيضاً، لأنها تحكم بشرع الله وتلتزم بأوامر الإسلام. من يقول إن مناهجنا مختطفة هو من تم اختطاف هويته وانتمائه. بعد الهجمة الشرسة على المناهج من الغرب، وتحديداً من أميركا بعد أحدث أيلول (سبتمبر)، عملت دراسة مقارنة بين مناهج 12 دولة مع السعودية أذكر منها: أستراليا، ألمانيا، الأردن، البحرين، إسرائيل، إيران، سلطنة عمان، اليابان، سنغافورة... إلخ، وأظهرت النتائج أن مناهج المملكة لا تختلف عن مناهج هذه الدول إطلاقاً، بل تتفوق على بعضها في المحتوى العلمي لمواد العلوم والرياضيات والتقنية واللغات. وبحسب علمي فإن كلية التربية بجامعة الملك سعود ممثلة في قسم المناهج وطرق التدريس، عقدت ندوة علمية عام 2003 بعنوان «المناهج... الأسس والمنطلقات»، شارك فيها العديد من الباحثين من داخل المملكة وخارجها حول المناهج السعودية، وكانت كل الدراسات تؤكد تميّز مناهجنا من حيث الكم العلمي والمهاري التطبيقي المتوافر بها، لذا فدعوى الاختطاف هذه كما أشرت لها أهداف خاصة لا تتماشى مع سياسة هذه البلاد. الإدارة، الإبداع، تنظيم السلوك، التفكير... ما مدى تأثيرها في قراراتك الشخصية والتربوية؟ - ينعكس المجتمع بتقلباته وثقافته على سلوكنا شئنا أم أبينا، فنسبة تحكمنا في أوقاتنا محدودة، وفي اعتقادي أن التجدد والتنوع هما متعة الحياة وبهجتها. ولا شك في أن جوهر التربية وغاية منتهاها هو بناء الشخص المبدع المتجدد المفكر القادر على إدارة ذاته بنجاح وتوجيه الآخرين نحو تحقيق أهدافه، والمستقرئ للمستقبل الذي يتميز بأنه عالمي الرؤية والتعامل محلي الانتماء والهوية. التفكير الإبداعي هل يلاحقك في علاقاتك الإنسانية؟ - أجمل ما في الحياة هو التجدد والإبداع، والإبداع على مستوى العلاقات الإنسانية يتجدد في طرائق التواصل المتنوعة مع الأصدقاء والأقرباء، ويتجدد في معايير الاتصال مع بقية المجتمع، أفراداً ومؤسسات. الأمن الفكري «الأمن الفكري»، هل يتطلب تحقيقه تكثيف المحاورات والمؤتمرات، أم أن هناك أمراً لم ندركه بعد؟ - هو شعار يتلحف به من يريد الصعود على أكتاف الأمن الاجتماعي، وهو في حقيقته أبعد ما يكون من تلك الحوارات والمؤتمرات. لو طلب منك تقويم قبولنا للآخر والتعايش معه، فما هي منجزاتنا على أرض الواقع؟ - الواقع مؤلم ويفرض نفسه، لأننا لا نملك برنامجاً تسويقياً ناجحاً، فصورتنا على المستوى الفردي (سياح، رجال أعمال، دارسون)، وعلى المستوى المؤسساتي (سفارات، قنصليات، قنوات، إعلام)، نخسر كل يوم مزيداً من الصدقية والأصدقاء. التفكير الإبداعي هل سنصل إليه في ظل الوصاية المطلقة؟ - إن أكبر معوق للإبداع في مجتمعنا هو عدم قبولنا بروح رياضية لاختلاف الرؤى والقناعات والتوجهات، وهي أزمة ثقافية نعاني منها، وتحرمنا من التنوع والتضاد المؤدي إلى الإثراء والتجدد، فلدينا قناعات خاطئة تقودنا إلى الجمود. ومنها: إطلاق أن المخالفة شيء مذموم، وعدم قبول الجديد في السلوك، بصفته نوعاً من الشذوذ، وتضخيم مفهوم العيب خشية الملامة الاجتماعية فقط، وتغليب الاحتمالات السلبية على الإيجابية في أي تغيير اجتماعي، هذه القناعات والتخوفات خلقت شعوراً بالوصاية الحدّية لدى البعض، ما قد يمكن اعتباره شكلاً من أشكال الإعاقة المجتمعية. بصورتنا الحالية هل استطعنا الوصول إلى مرحلة تفاهم مع العالم؟ - إذا استطعنا أن نفهم أنفسنا بشكل جيد، فسنكون قادرين على فهم العالم والتفاهم معه، فهل استطعنا فهم أنفسنا! أي الأبواب أسرع لنصل بالتفكير الإبداعي للعقلية السعودية؟ - التربية القيادية، والثقافة الحرة، التخلص من التبعية الثقافية للآخر، والثقة بما نمتلكه من إرث حضاري وقيم سامية، والاعتزاز بالهوية الثقافية... كلها مقومات تسهم في تسريع وصولنا للتفكير الإبداعي الجمعي. كيف ترى مستقبلنا في عالم متغيّر؟ - نصعد في سلم متحرك سرعة نزوله أكثر من سرعة صعودنا. التغيير أول مفاتيح التفكير المبدع، لماذا تأخذ هذه المسألة وقتاً لدينا أطول من غيرنا؟ - المركزية المتسلطة، والبيروقراطية العقيمة، والضبابية في الإجراءات، وإسناد الأمر إلى غير مبدع... معوقات قد تقتل الفكرة قبل ولادتها. لماذا لم يُلحظ تطور واضح على نظم التعليم العام في الدول الخليجية بالذات، على رغم توافر الإمكانات المادية ولاحقاً البشرية؟ - لا أعتقد أن هناك تطوراً بالمعنى الصحيح على نظم التعليم في الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان، والمؤلم أن العالم يتقدم. ونحن مع الأسف لا نواكب هذا التقدم، وفي ظني أن الأمر يتجه نحو انحسار الهوية الوطنية والإبداع الأصيل على حساب التعليم الدولي في دول الخليج، وهذا مؤشر جداً مقلق. التحديات الجديدة التي تواجهها المجتمعات، هل يستطيع التعليم منح آلياته المناسبة للتعامل معها؟ - إذا لم يكن التعليم هو القيادة الحقيقية للتطوير والتنمية في المجتمع والحماية الموثوقة له من التحديات الخارجية، فلا حاجة له، ولو أحسنا استغلال التعليم بشكل حقيقي، فسنكون قادرين على حل جميع مشكلاتنا، لأن التعليم ببساطة هو بناء الشخصية بكل أبعادها. كيف نجعل التعليم قادراً على مواجهة المشكلات العالمية، ويعنى بالتربية والتنمية المتوازنة السوية التي تأخذ بأحدث ما يكتشفه العلم؟ - تطوير التعليم قصة تبدأ من المنزل، وتنتهي في الوزارة، مروراً بالشارع والمكتبة. وما يحدث الآن في كثير من نظم التعليم في العالم العربي بشكل خاص تحت مظلة تطوير التعليم هو قولبة المجتمعات في قالب واحد، وفق قناعة زائفة بأن الصواب هو ما نستورده لا ما نملكه. هل بطء استجابة التعليم للتغييرات السريعة في المجتمعات، وتحول خطط التعليم إلى خطط للترقيع والإنعاش، نظراً للسرعة الهائلة للتقدم العملي والتكنولوجي؟ - التقدم التقني العلمي المتسارع سلاح ذو حدين، فمن يحسن استخدامه ويطور أدواته وآلياته، يحظى بالانطلاقة، ومن يتعامل بجمود وبيروقراطية معه، يعيش بالإعاقة. ماذا فعلتم من أجل أن تلعب المدرسة دورها الرياديّ في التغيير وفي تربية الناشئة قولاً وفعلاًً، كي نعدّهم لزمن تغيب فيه الكراهية، ويحلّ فيه السّلم والاطمئنان وممارسة الحريّة المسؤولة؟ - لكي تحصل على ملائكة يمشون مطمئنين، يجب أن تعيش خارج الكرة الأرضية، العالم اليوم يعج بازدواجية المعايير، والوحشية والظلام والخوف، لذا يجب أن ننطلق من الواقع، ونبني الإنسان القوي البصير القادر على التعايش وفق معاييره وقيمه، فالسلام لا يتحقق دائماً بالابتسام. البرامج التدريبية هل لها تأثير طويل المدى في إثارة الدافعية نحو العمل؟ وما هي إشكاليتنا تجاه العمل؟ - التدريب نغم نعزف عليه كثيراً، لكنه لا يطربنا، لأننا لا نحب أن نجدد ألحانه أو نقيس صدى أنغامه وأشجانه، كثير ما يهرب الجمهور للمسرح ليس حباً فيه أو قناعة به، بل للتخلص من واقع يعاني من الرتابة والتكرار. ثقافة حقوق الإنسان القيم ذات الصلة بثقافة حقوق الإنسان، ما مدى حرص مناهجنا على تضمينها بين دفتيها؟ - إن كان المقصود بالمنهج هو المحتوى، فمناهجنا من أغنى المناهج في العالم بالقيم والمهارات والاتجاهات الإيجابية، غير أن المشكلة تكمن في كيفية تحويل ما في دفة الكتاب إلى سلوك لدى الطلاب. هناك نوع من التناقض بين ما يدرس من قيم ومبادئ، وما يلاحظ في محيط المدرسة من تجاوز لتلك القيم أو أحياناً انتهاكها، كيف نحل هذه الإشكالية؟ - بتغيير القيم أو تغيير الطلاب أو تغيير المدرسة. ما تعليقك على ضعف في المشاركة الفعلية لمؤسسات المجتمع المدني في وضع السياسات التربوية والمساهمة في بلورة برامج التربية على حقوق الإنسان وتنفيذها؟ - نتيجة لضعف الاتصال من الجهات المعنية، وضعف الانتماء من المؤسسات المجتمعية. كيف يمكن الاستفادة من المدرسة كمركز تنوير لنشر الثقافة الحقوقية المجتمعية؟ - عندما تتمكّن المدرسة من التخلص من الوصاية الجبرية، وعندما نمكّن قيادة المدرسة من الحركة في مساحة واسعة من الإبداع والحرية. مصادقة الدول على الاتفاقات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالتربية والتعليم هل تتم بسهولة؟ - أشك في أن كثيراً من هذه المصادقات تملك رصيداً من التطبيق، فنظرة واحدة إلى مناهج التعليم في إسرائيل أو إيران تعطي انطباعاً بأن سياسة الكراهية والعنصرية هي ركن في بناء مناهج تلك الدول، ومع ذلك فهم شركاء في بناء تلك الاتفاقات. ممارسة الشورى والديموقراطية في صفوف الطلاب، ماذا ستمنح العملية التعليمية؟ - لا نستطيع أن نمارس الشورى والديموقراطية في صفوف الطلاب إذا كنا نفقدها في صفوف المعلمين. أليس غريباً أن دول الخليج غير متفقة على إطار تعليمي موحد ولو في السلم التعليمي والدوام الدراسي؟ - إذا توحدت العملة الخليجية، ستتوحد المعاملات الخليجية أيضاً، وعلى كل حال الاختلاف في النظم والإجراءات ظاهرة إيجابية إذا توحدت الأهداف والتطلعات. تأنيث التعليم تأنيث المرحلة الابتدائية الأولية الصفوف الثلاثة الأولى طلبة ومعلمات، هل من دراسات تثبت جدوى ذلك من عدمها؟ تأنيث المرحلة الابتدائية للبنين، أو ترجيل المرحلة الجامعية للبنات، المشكلة ليست في التأنيث أو الترجيل، بل في الأسس التي ننطلق منها والمعايير التي نحتكم لها عند صناعة القرار وعند تنفيذه. تجربتنا في مدارس الرياض في تأنيث تدريس فصول البنين في الصفين الأول والثاني فقط لم تكن فاشلة، لكن لم تجر دراسة تقويمية جادة لتحديد أيهما أفضل في تعليم البنين الصغار الذكر أم الأنثى، لنصدر حكماً موضوعياً. والأمر لا يزال موضوع بحث، فالواقع المرّ لمستوى تعليم البنين في المرحلة الأولية في مدارس البنين في المدارس الحكومية، يجعلنا نفكر جدياً في مثل هذه الخيارات، غير أننا يجب ألا نفكر في تأنيث المرحلة الأولية، لأننا ببساطة نبحث عن عمل للمرأة. اللجان العليا لسياسة التعليم في دول الخليج، هل تستطيع تغيير شيء، أم تظل أسيرة توجيهات من سلطات أعلى وأحياناً أدنى؟ - قد يكون من نعم الله على هذه اللجان أنها أسيرة، لأنها في كثير من الأحيان قد لا تحسن التعامل مع الأسرى. استقلالية المدارس هل تجد فيها متنفساً لحلول أكثر إنجازاً؟ - فشل التجارب المجاورة يتطلب منّا تفكيراً قبل تكرار المحاولة، وأعتقد أن مفهوم الاستقلالية مطلوب تحقيقه، ولكن وفق إطار عمل واضح ومنهج علمي سليم. الأولمبياد التعليمي العالمي لماذا دول الخليج في مراكزه الأخيرة؟ - لأنهم يرونه بالمقلوب. كيف هي تجربتك مع مدارس الرياض؟ تدريس الطبقة المخملية هل يختلف عن تدريس الطبقات الأخرى؟ - نحن من يصنع الكعك، ويأكل القرص البري. المدارس العالمية كيف تقوّم تجربة المدارس العالمية عندنا؟ - جوابي سيكون مختصراً ومفصلاً: باختصار «الأعمش بين العميان مفتح»، وبالتفصيل فإن التعليم الدولي على ما يحمله من آثار سلبية وبشكل خاص على الثقافة والقيم وهي كبيرة، إلا أنه يحمل معه خبرات عريقة، لذا يتفوق في نظري على التعليم الحكومي والأهلي السعودي في مجال التحصل العلمي في بعض المواد وفي طرائق التدريس، والسر في تفوق التعليم الدولي في نظري يعود إلى الأسباب الآتية: الثقافة التي يحملها معه، وهي الجدية والمنهجية الصارمة في اعتماد المعايير وتنفيذها، ومنح قيادة المدرسة صلاحيات كافية لفرض النظام، واحترام المعلم، وتقدير قيمة الوقت، وإلغاء تأثير العلاقات الشخصية في عمليات التقويم للعاملين والطلاب... إلخ. وجود مؤسسات متخصصة (للاعتماد الدولي) تتابع مثل هذه المدارس، وتتحقق من جودة التعليم فيها، وتلغي اعتماد المدارس التي لا تتوافر بها الشروط الكافية. التركيز في التعليم الدولي ينصب بشكل رئيسي على كيف ندرس، وليس ماذا ندرس، وهذا في نظري الأصل، لذا يتفوق مثلا برنامج البكالوريا العالميIB على جميع البرامج الدولية، لأنه يعتمد بشكل رئيسي على تجويد عملية التعلم، والتحقق من جودة المعلم القادر، وصرامة التقويم للأداء والتحصيل، أما المحتوى العلمي في هذا البرنامج، فلا يختلف عن غيره كثيراً. الاستعداد النفسي لكثير من الأسر السعودية للتعاون بشكل كبير مع البرامج الدولية، في حين لا تتفاعل الأسرة عندما تكون المدرسة سعودية، وهذا يذكّرنا ببعض سلوكياتنا في الخارج، وبشكل خاص في قيادة السيارات، حيث التزام النظام بكل أدب واحترام، وفي الداخل نقود سياراتنا، ونحن نقول يا ساتر ويا ساهر.