إعلان رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن رفع نظام إقرار الذمة المالية لمن يعملون في المناصب العليا في القطاع الحكومي إلى المقام السامي وقرب الموافقة عليه من خادم الحرمين الشريفين، هو ما نحتاجه فعلاً للحد من ظاهرة الفساد لدينا، فالمملكة، مع الأسف، تحتل مرتبة دنيا في تقارير منظمة الشفافية الدولية، وتمر تلك التقارير مرور الكرام في وسائل إعلامنا مع مطالبات خجولة لمعالجة آفة الفساد لدينا. ومع مشروع خادم الحرمين الشريفين للإصلاح، الذي كان من نتائجه إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، نعرف أنها مهمة شاقة وصعبة لثقافة متراكمة لدينا، وصلت إلى حد تفاخر البعض في مجتمعنا لمن خرجوا من الوظائف العامة وأصبحوا من أثرياء البلد، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، ومع الأسف هذه حالنا، فكثير من المسؤولين الرسميين من وزراء ووكلاء وزارات نجد أنهم في مستوى اقتصادي معقول يتناسب مع دخولهم قبل تسلم الوظيفة العامة، ولكن عند خروجهم منها نجد القصور والمزارع والشركات، ويعيشون في هناء وبحبوحة عيش، ولا نجد أحداً يُسائلهم من أين لهم ذلك؟ في المقابل نجد أن كثيراً من المواطنين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة في دفع فواتير الخدمات من كهرباء ومساكن وغيرهما. إن الاعتداء على المال العام هو أخطر وأعقد مثالاً من الاعتداء على الحقوق الخاصة، لأن في الأخيرة أطرافاً ستحاول أن تدافع عن حقوقها بالطرق القانونية، أما في قضايا الأموال العامة، فهي مع الأسف غير ظاهرة وواضحة بشكل قانوني، ولا يسمح لمواطن مثلاً أن يقاضي مسؤولاً أُثري من وظيفته العمومية، ولكن من خلال إقرار نظام الذمة المالية للمسؤولين سيكون هناك جهات مؤسساتية رسمية تراقب ممتلكات هؤلاء بشكل دوري، كل ثلاث سنوات مثلاً، لمعرفة أي تغيير لافت في ممتلكاتهم، ونحن الآن لدينا الآليات البسيطة التي تستطيع مراقبة الحسابات البنكية والممتلكات العقارية عن شبكات المعلومات لهؤلاء المسؤولين وأقاربهم، وللمعلومية فإن مراقبة وحصر أموال الموظفين في الدول ليس بجديد، فالخليفة العادل عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كان يُحصي أموال وممتلكات عماله وولاته وهم في أعمالهم الرسمية. أما الآن فنجد مثل هذا النظام، وإن اختلفت المسميات، معمولاً به في الكثير من الدول العربية والغربية، وأن تطبيق شيء من الصرامة، فهو يعد من معايير الشفافية والعدالة في تلك الدول، فغالبية الدول الغربية الديموقراطية يتم استجواب موظفيها الرسميين أمام لجان برلمانية للتأكد من سجلاتهم المالية التي تتعلق بدفع المستحقات الضريبية وعلاقاتهم المالية مع الشركات والبنوك التي قد تتقاطع مصالحها مع من يتسلم أي منصب في تلك الحكومات، والإعلام هناك يتابع أي إخلال في تلك الإقرارات، وكم سمعنا عن استقالات لبعض الموظفين الرسميين هناك بعد اكتشاف كذبهم في الإقرارات التي قدموها أمام تلك اللجان البرلمانية المستقلة. في وضعنا يمكن أن تكون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هي الجهة الرسمية التي يمثل أمامها موظفو القطاع العام، خصوصاً أصحاب المناصب العليا والمتوسطة، وأن يُعين ولي الأمر جهة تتمتع بالثقة لتولي هذا الأمر. مثل هذا النظام في حال إقراره وتطبيقه بصرامة هو في الحقيقة في صالح بعض من يعملون بالدولة، الذين هم أثرياء قبل الوصول إلى الوظيفة الرسمية، فهذا النظام يبعد عنهم الأقاويل والشائعات عند خروجهم من الوظيفة العامة، وآمل أن يتم تطبيقه بأثر رجعي على كل من عمل بالدولة، سواء لا يزال في الموقع أو خرج منه، المهم أن تكون هناك أنظمة رادعة لمن يثبت تورطه بقضايا فساد إداري، خصوصاً في قضايا العقود والمشتريات الحكومية، وحتي قضية التوظيف غير العادل التي تستند إلى معايير بعيدة من الكفاءة. إن الاتكاء على ضمائر من يتولون المناصب غير مجدٍ، وعلينا ألا نتكئ عليه في نزاهة من يتولون مناصب حكومية، ولا نريد أن تكون العقوبات على صغار الموظفين، فتطبيق هذا النظام على الجميع، ومن دون استثناء، كما قال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إنه لن يستثني وزيراً أو أميراً يعمل في القطاع العام، هو الكفيل بإيصال رسالة أن الدولة جادة في اجتثاث هذه الآفة الخطرة. [email protected] @akalalakl