في شقق ومنازل مهجورة ومدمرة في احياء من مدينة حلب خلت من أي وجود للقوات النظامية السورية، يتخذ مقاتلو الجيش السوري الحر مقار لهم، للانطلاق في معاركهم ضد قوات الرئيس بشار الاسد. وجلس رجل قبالة نافذة، امامه طاولة وخلفه خزانة فيها جهاز تلفزيون مع باقتي زهر اصطناعي، وحمل بندقية دراغونوف مصوبة في اتجاه دشمة للجيش السوري النظامي. ويقوم الرجل بمهام قناص من ضمن كتيبة للجيش السوري الحر، وهو مثل غيره من عناصر هذا الجيش المصمم على اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، اتخذ من شقق وأبنية مهجورة تبدو الحياة وقد توقفت فيها، مقراً. في العديد من احياء العاصمة الاقتصادية للبلاد التي هجرها اهلها تحت وطأة المعارك الحامية، يقع خط الجبهة خلف نوافذ ابنية يطلق منها القناصة النار، او في ازقة تخلو من اي حركة باستثناء بعض ظلال تتحرك في ما ندر، وهي لمدنيين يعودون الى منازلهم لاستعادة بعض الحاجيات قبل ان يسرعوا في الرحيل مجدداً. وللتقدم الى خط الجبهة من دون حماية، عمد المقاتلون المعارضون الى شق طريق آمن: بقروا جدران الشقق وهم يمرون عبرها من شقة الى اخرى، محدثين من حولهم المزيد من الغبار الناتج عن الركام. ينتقلون من مطابخ الى حمامات وغرف اطفال تركت فيها على عجل على مكاتب صغيرة اوراق التسجيل للسنة الدراسية الحالية. في المقار العسكرية المستحدثة ايضا، اسرة لم تستخدم منذ اسابيع ويتراكم على اغطيتها الغبار يوماً تلو الآخر. ويمكن من خلال ثقب في إحدى هذه الغرف رؤية جثة مقاتل عند اسفل البناية. الجثة مرمية هنا منذ ثلاثين يوما وبدأت بالتحلل. يمكن للمقاتلين رؤيتها، لكن احداً منهم لا يجرؤ على سحبها، كونها تحت مرمى قناصة القوات النظامية. قرب بناء آخر، يطل رجل عجوز من باب حديدي يفتحه بحذر. ويقول رداً على سؤال: «انا باق في منزلي رغم القصف. لا اريد ان يتم احتلال المنزل». ويضيف: «امكث وحدي في المبنى خلال الليل. اسمع القصف واصوات المعارك ليلاً ونهاراً». في المنطقة منازل اخرى تم العبث بها وتخريبها: فرش مقلوبة وزجاج محطم. يؤكد مقاتل معارض ان هذه الاضرار تسبب بها الجيش النظامي، ويشير الى شعار «الكتيبة 47- القوات الخاصة» مطبوع على جدار احدى الغرف، كدليل على ذلك. وتقول امرأة قدمت مع والدتها الى مركز المقاتلين لتسأل عن قريب مفقود: «كانت حلب جوهرة في العالم، وقد تحولت الى خراب». عند اسفل مبنى آخر اختفت واجهته، توجد تلال من الحجارة التي يستخدمها المقاتلون من اجل اقامة ساتر. بين الركام، ملابس منسية وجرذان وعصافير ميتة. العام 2006، سميت حلب، المركز التاريخي للعالم العربي والاسلامي، «عاصمة الثقافة الاسلامية»، تقديراً لتراثها الذي قاوم اجتياحات عدة عبر التاريخ. في اسواق حلب اليوم، الابواب الحديدية مليئة بالثقوب وآثار الرصاص، او منفوخة نتيجة انفجارات القذائف. على اللوحة التي تحمل عبارة «حلب، عاصمة الثقافة الاسلامية»، اضيفت عشرات العبارات والرسوم المناهضة لبشار الاسد.