يدرك الروس والصينيون بأن الموجة التي بدأت في تونس، واكتسحت العالم العربي من شمال افريقيا الى شرق المتوسط ، لن تتوقف عند هذا الحد، بل من المرجح ان تمتد لتشمل بلداناً أخرى. وإذا نظرنا الى الدول المرشحة لتلقي هذه الموجة فمن المؤكد ان تكون دول آسيا الوسطى والقوقاز التي تشكل خطراً وربما تهديداً كبيراً للمصالح الروسية والصينية القومية ، أمنياً واقتصادياً، أما لماذا هذه الدول بالذات: فلأنها الأكثر شبهاً ثقافياً بالعالم العربي، اضافة الى الارتباط معه بالدين وبجزء كبير من التقاليد والعادات، وكذلك لتفشي الآفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذاتها، التي تعاني منها أنظمة الحكم العربية، فكان لا بد من إيقاف هذه الموجة عن طريق اعتراض طريقها بالنار، أي اعتراض النار بالنار، كما يفعل رجال الاطفاء في مواجهة حريق كبير يخشون قوة وسرعة امتداده، او عن طريق إنشاء موجة مضادة بالتفجير، تماماً كما يفعل رجال الانقاذ البحري في حال تعرضهم لتسونامي مائي، لا سبيل لصده الا بموجة مضادة. قالها الروس والصينيون بصراحة: كفى! لقد وصلتم الى الحد الذي لن نسمح بأي تقدم بعده، على الأمر ان يتوقف هنا، وإلا فالمنازلة المؤلمة والصعبة التي لن تبقي شيئاً لهذا الشعب الذي علق بين حجري مطحنة الصراع الدولي، بسبب توقه الى الحرية والكرامة والحياة الشريفة، بعيداً من نظام استباحه على مدى عقود. كفى! قالوها ولن نلتفت الى ما يحدث على الأرض، مهما بلغت قسوته ومهما ارتكب من مجازر وقتل وتدمير، يجب ان يتوقف هذا المد هنا، ولا نريد للنار ان تنتقل الى حدودنا وربما( من يعلم) الى داخل بيوتنا. نحن نعلم بأن النظام لم يعد يملك أي شرعية، فأي شرعية لنظام يقوم بقصف مدن دولته بالدبابات والطائرات، عدا عن انه لم يعد قادراً على تثبيت نفوذه على أي منطقة يهاجمها، من أقصى البلاد الى أقصاها، ويكفي ان تنظر الى حمص التي دمرها ولم يستطع ان يسيطر عليها، او الى ريف حلب وادلب ودمشق ودرعا وحماه، وهو لا يستطيع ان يثبت حاجزاً على الارض، فكيف بالسيطرة التامة على السكان، وفي فورة جنونه يعمد الى المذابح والقتل الجماعي، والى اثارة النعرات الطائفية، وتسليح بعض الأطراف لخوض الحرب الأهلية. اما ايران التي تتحف العالم بخطابات العظمة والقوة والسيطرة، فهي ليست سوى منفذ غير بارع لمواقف الدول العظمى، شرط ان تحفظ لنفسها بعض النفوذ، بعد ان يكون الحريق قد قضى على ما تبقى من سورية الصمود بالكلمات، والتصدي بالشعارات، ايران نفسها تتحسس جنباتها للنار التي قد تشتعل بها في أي لحظة، وهي تعلم ان سقوط النظام السوري وازاحته من المشهد، هو الاعلان الرسمي والجرس الصادح المؤذن ببداية اندلاع هذه النار في داخلها، وهي ما زالت تعاني من آثار الانتفاضة السابقة، التي أظهرت تململاً شعبياً لا حدود له ضد نظام الخرافات والأساطير البطولية، التي لا تستطيع ان تملأ بطن جائع ولا تروي فم عطشان، ناهيك عن انها تمنعه من اغتراف جرعة هواء حر، في فضاء قمعي ارهابي ذي سطوة دينية لا تقيم اي اعتبار لقيم الانسانية التي يشكل الدين أحد روافدها من دون أن يلغيها. روسيا والصين تدافعان ضد تغلغل الثورات الشعبية في قلب آسيا، وايران تدافع عن بقاء نظامها. انها معركة قاسية تزداد حدة كل يوم، خصوصاً مع اقتراب موعد اعادة التشكل في مصر، التي سيكون لها كلمة بارزة في الأحداث، بدأت معالمها بالظهور، فهي الدولة التي تملك أكثر الشرعيات في حق التدخل في الشأن السوري، اذ أنها دولة الوحدة مع سورية عبر التاريخ الذي جمعهما في السراء والضراء. نرجو ان يتم هذا الأمر سريعاً، وان يحدث التدخل المصري خرقاً للستاتيكو القاتل، القائم على أرض سورية حالياً.