لا يخفي بعض أقطاب الحكومة الأردنية، مثل وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال سميح المعايطة، تخوفه من نزوح عشرات آلاف الفلسطينيين من سورية، ومعاناتهم ظروفا إنسانية صعبة في مدينة الرمثا الحدودية شمال البلاد، ولم تستبعد مصادر أردنية من إعادة ترحيل الفلسطينيين في حال حصول «عمليات تدفق غير مسيطر عليها». وبعد أن كانت الحكومة تتحدث عن عبور نحو 150 لاجئ فلسطيني السياج الحدودي بين سورية والأردن منذ بداية الاحتجاجات في الجارة الشمالية، أعلنت وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أخيرا ارتفاع الرقم إلى نحو 1000 لاجئ مقيدين في سجلاتها، في حين ذكرت مصادر إغاثية ل»الحياة» ارتفاع الرقم إلى زهاء 2500 مع غير المسجلين جميعهم يحملون وثائق سورية. ويبدو أن النزوح المتواصل للاجئين الفلسطينيين، على قلته، يشكل هاجساً لدى مؤسسات القرار الأردنية بحسب الوزير المعايطة، الذي قال ل»الحياة» غير مرة إن المملكة «تخشى تدفق نصف مليون لاجئ فلسطيني يعيشون داخل مخيماتهم في سورية». وتحدث مسؤول أردني كبير ل»الحياة» أيضا عن قرار اتخذ على أعلى المستويات أخيرا يقضي بفصل اللاجئين الفلسطينيين عن غيرهم من السوريين في الأردن ل»أسباب أمنية». وقال هذا المسؤول الذي فضل عدم الإشارة الى اسمه لحساسية الموقف، إن «كل الخيارات مفتوحة لمواجهة أي عمليات تدفق غير مسيطر عليها من جانب الأشقاء الفلسطينيين (حملة الوثائق السورية)». وأضاف: «إذا شهدت حدودنا تدفقاً كبيراً من هؤلاء، فسيكون خيار ترحيلهم إلى الأراضي الفلسطينية أو إلى أية دولة أخرى أمراً مطروحاً بقوة». وأكد المسؤول تخوف المملكة من هجرة جماعية للفلسطينيين «تكون مقدمة لمطالبات دولية بتوطينهم في الأردن». وكشف المسؤول عن اتفاق جديد بين بلاده ومنظمة الهجرة الدولية، يقضي بتجهيز مخيم للأجانب المقبلين من سورية بمن فيهم الفلسطينيون، لتنظيم التعامل معهم، إما بإعادتهم إلى بلدهم الأصلي أو تسفيرهم الى بلد ثالث أو عودتهم لسورية، بحسب ما تقرره المنظمة الدولية. ويشتكي اللاجئون الفلسطينيون الفارون من سورية ظروفا يصفونها ب»غير الإنسانية» داخل مجمع «سايبر ستي» في الرمثا، المؤلف من بناية سكنية واحدة تتألف من 6 طبقات وتحتوي على 140 غرفة، مما اضطر عددا من العائلات المحتجزة بداخله إلى الهرب، فأصبحوا مطلوبين لقوات الأمن الأردنية. وتفرض السلطات على هؤلاء إقامة جبرية داخل المجمع المذكور، إلى جانب مخيمات أخرى موقتة داخل المدينة، خشية تسللهم إلى داخل القرى والمدن الأردنية. ويعيد التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية إلى الأذهان قضية الفلسطينيين الذين فروا من العراق بعد الغزو الأميركي، حيث ظل نحو 300 منهم في الصحراء الفاصلة بين الأردن والعراق لسنوات حتى نقلوا إلى البرازيل. إلى ذلك، قال مسؤول عسكري بارز في الجيش الأردني ل»الحياة» إن «آلاف السوريين يعبرون المملكة من خلال 15 نقطة مجهزة على الحدود». وأضاف قائد حرس الحدود الأردني العميد الركن حسين الزيود أن «وحدات الجيش الأردني تتكفل بنقل أفواج اللاجئين إلى مكان آمن، ومن ثم إلى مكان إقامتهم الدائم في مخيم الزعتري شمال شرقي البلاد»، لتبدأ من هناك رحلة لجوء أخرى لعشرات آلاف المهجرين. من جهة أخرى، لفت الزيود الى اختراقات حدودية تنفذها عناصر الجيش السوري داخل الأراضي الأردنية، مؤكدا أن وحدات الجيش الأردني «تتعامل معها وفق الرد المناسب». وأوضح أن حماية الحدود الأردنية مع سورية التي تزيد عن 370 كيلومتراً، باتت هاجسا لدى الوحدات الخاصة بحرس الحدود، عدا عن التصدي للرمايات القادمة من الجانب السوري خلال عمليات دخول اللاجئين. وتوقع الزيود أن ترتفع كلفة استقبال وحماية اللاجئين وإيوائهم في فصل الشتاء المقبل، مشيرا إلى تحمل موازنة القوات المسلحة الأردنية كلفة إضافية تزيد عن 185 مليون دينار أردني حتى نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي. ويحذر رئيس الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية (رسمية) أيمن المفلح من أن فصل الشتاء يشكل «تحدياً إضافياً للقائمين على مخيم الزعتري» الموغل في عمق الصحراء الأردنية والمطل على سورية. ويقول ل»الحياة» إن المساعدات الدولية المقدمة للاجئين السوريين في الأردن تكاد تكون «شبه معدومة». ويعبر مئات السوريين يوميا الشريط الحدودي مع الأردن بشكل غير شرعي، هرباً من القتال الدائر في بلادهم. ويقطن أكثر من 200 ألف لاجئ في مساكن مؤقتة داخل مدينة الرمثا ومدن أردنية أخرى، إضافة إلى وجود نحو 32 ألف لاجىء في مخيم الزعتري.