«إلى اليسار، سوق التوابل، وأمامك الجامع الأموي. لكن لا تدخله، إنه على خط الجبهة». هذا ما يقوله أبو محمد القائد السوري المتمرد الذي يستفيد من هدنة في المعارك للاضطلاع بدور الدليل السياحي في الأسواق القديمة لمدينة حلب. ويشكل زقاق بالكاد يبلغ عرضه متراً واحداً على مقربة من المسجد خط الجبهة. وعلى ناصية هذا الزقاق يتمركز قناصة من الجيش النظامي الذين يطلقون النار على كل ما ومن يتحرك. ويحرك قناص مختبئ وراء جدار عصا أثبت في مقدمها مرآة ويحاول قتل الجنود الذين يلمحهم عبرها. وقد بدأت المعارك في حلب، العاصمة الاقتصادية لشمال سورية، في منتصف تموز (يوليو). ومنذ ذلك الحين، يتواجه الجنود والمتمردون بالصواريخ والقصف الجوي في عدد كبير من الأحياء. لكن المواجهات في الأسواق القديمة التي كانت القلب السياحي للمدينة، تجرى بالأسلحة الخفيفة للسيطرة على زقاق أو حمام أو مسجد أو كنيسة. ولدى تجواله في الأزقة التي أقفلت المتاجر فيها أبوابها، يروي هذا المتمرد تاريخ «أكبر سوق في الشرق الأوسط». ويقود هذا المتمرد الزائر إلى قاعات حمام النحاسين الذي بني في القرن الثالث عشر حيث يأخذ بضعة متمردين قسطاً من الراحة على الفرش الموضوعة في المهاجع الصغيرة. ولدى سلوكه طرقاً فرعية لتجنب رصاص القناصة المتمركزين بالكاد على بعد 50 متراً، يتحدث أبو محمد عن العثمانيين والمماليك ويقترح القيام بزيارة إلى القنصلية الفرنسية القديمة. ويشير رفاقه المسلحون الذين يتحلقون حوله ببزاتهم التي طبع عليها شعار الجيش السوري الحر، إلى متاجر النسيج والتطريز الكائنة تحت أسواق مسقوفة لا يعبرها أحد. وفي موضع آخر من السوق المقفرة، يجازف بعض التجار بالمجيء إلى محالهم. فقد أتوا لاستعادة بضائع يكدسونها في أكياس كبيرة ثم يتوارون مسرعين. ولا يوافق أحد منهم على التحدث مع مراسلي الصحف. ولم تمس البضائع على ما يبدو. وقال أبو محمد: «لم يمس أي من رجال الجيش الحر شيئاً، وسيعود التجار إلى محالهم التي تركوها». وأضاف: «نحن لسنا الإرهابيين الذين يتحدث عنهم النظام». وتتهم السلطات التي لا تعترف بحركة الاحتجاج التي بدأت في آذار (مارس) 2011، «عصابات إرهابية مسلحة» بزرع الفوضى في البلاد. وعلى كل تقاطع طرق، تتمركز مجموعات صغيرة من المتمردين الذين يتولون المراقبة فيما هم يشربون الشاي. والأزقة التجارية التي استثنتها عمليات النهب والتدمير، نجت أيضاً من عمليات القصف الجوي التي تشوه عدداً كبيراً من أحياء حلب. وقال أبو محمد: «هنا، لا يجرؤ النظام على إلقاء القنابل، فهو لا يريد إثارة غضب التجار، لأن الوضع سيتغير إذا ما بدأوا بتمويل التمرد». وعند منعطف زقاق، سقطت قذائف هاون أطلقها الجيش على اثنين من المتاجر. ومن مبنى من طبقتين لا يزال الدخان ينبعث منهما، لم تبق سوى هياكل معدنية وبعض الحجارة. وخفية، يمر تاجر حاملاً على ظهره كيساً كبيراً، فيما تحلق في السماء مروحيات على ارتفاع شاهق. ويؤكد أبو محمد: «طالما أنها تحلق على ارتفاع شاهق، نحن في أمان. وهي لا تستهدف السوق القديمة، إنها تتجه إلى أحياء أخرى».