زيارة واحدة لحي النكاسة، أو شارع منصور في مكةالمكرمة، وأحياء الهنداوية، وكيلو 14، وبعض الأحواش والأحياء البعيدة من الناس، تكتشف بنفسك أوضاع هؤلاء المقيمين بيننا من جنسيات مختلفة، سمحت السعودية بإقامتهم بعد أن مروا بتجربة التهجير والتعذيب والقتل في بلدانهم الحقيقية، إنما يعيشون بيننا من دون تصحيح لأوضاعهم، أو تحسين أحوالهم، وأسهم هذا الوضع في خلق سوق سوداء في أوساط المجتمع بما يُعرف ب«الواسطة» من أجل تصحيح الأوضاع، وتقديم تنازلات واستغلال ظروفهم، في تصحيح، أو استخراج ترخيص رسمي. حديث المدير العام لفرع وزارة الخارجية في منطقة مكةالمكرمة، السفير محمد أحمد طيب، لصحيفة «الحياة» الأسبوع الماضي عن بلوغ أعداد البرماويين المقيمين في السعودية نحو 600 ألف نسمة، وأن نسبة البرماويين المولودين في السعودية تبلغ 70 في المئة، وهذه النسبة تعتبر 25 في المئة من سكان العاصمة المقدسة، تصريحات السفير طيب صدرت عقب اجتماع أعضاء اللجنة المشكلة من أمير المنطقة للنظر في أوضاع البرماويين، واللجنة تبحث عن حلول. الحقيقة ليس البرماويون وحدهم الذين يعيشون بين أهالي سكان مكةالمكرمة، بل هناك جنسيات أخرى خرجت من بلدانها من بطش حكامهم وتصفية المسلمين، هناك الجاليات الإفريقية والأفغانية، والتركستانية والبخارية، والآن لدينا الجاليات اليمنية التي هجرت منازلها خلال الأزمة الأخيرة هناك، وإذا ما تم إحصاء عدد هذه الجاليات المقيمة لدينا سنجد أنها تتجاوز مليوني نسمة من ذكور وإناث. لن تجد صعوبة في التعرف على هذه الجنسيات، فالبعض منهم يتوزعون عند إشارات المرور، الأطفال الأفغان اشتهروا ببيع المناشف واللبان عند إشارات المرور، ولا يخفى على أحد، أن الجالية الأفريقية يعانون الجهل والفقر والمرض، ويعملون في مجالات متعددة، ونساؤهم يعملن في مجال التجارة والبسطات الصغيرة، وجمع العلب الفارغة، وأحوالهم ليست أقل من الجاليات الأخرى، ورجالهم اشتهروا في مجال عمالة الشوارع والمقاولات، والحفر وكسر الجبال وغسيل السيارات، أما الجالية اليمنية، وهي بدأت في الظهور بشكل سلبي بعد أحداث حرب الخليج، أما قبلها فقد كانت تعيش برفاهية، إنما أحداث الخليج والحرب اليمنية والربيع العربي جعلتهم يتحولون إلى السعودية بحثاً عن عمل، والانتشار بشكل لافت في كل مواقع العمل، تجدهم في عربات الفواكه، وعند الإشارات يسوقون لمنتجات خفيفة وصغيرة، ألعاب ورود، منظفات سيارات، تلميع وغيرها من المهن، الجالية الوحيدة التي لم تخرج إلى الشارع بطريقة لافتة أو مشوهة للشكل العام، هي الجالية البرماوية، فقد اتخذ أهلها، العمل في مجال النشاط الصناعي والحرفي، والتجاري، فمثلاً في مكة أرخص العمالة المهنية في مجال النجارة والسباكة والكهرباء هم العمالة البرماوية، وحتى في البناء والترميم، بجهودهم الذاتية أقام البرماويون ما يحتاجونه من خدمات، أقاموا مستوصفات ومدارس لتحفيظ القرآن. الجاليات المقيمة في السعودية منذ عقود أصبحت جزءاً مهماً من تشكيلة المجتمع السعودي، بل إن الكثير منهم صاهروا العوائل السعودية، ومنهم من تتحدث معهم ويخبرك أنه كيف جاء جده قبل توحيد المملكة، وعاش فيها، وشهد مرحلة بناء وتكوين الدولة السعودية. يجب أن نعترف أن الحكومة السعودية لم تدخر وسعاً في خدمة أبناء هذه الجاليات والاهتمام بهم، وعدم ملاحقتهم، كما أنها غضت الطرف عن الكثير من سلوكياتهم وتصرفاتهم، على رغم ما سببوه من أضرار على المجتمع من آثار اقتصادية أو اجتماعية، واليوم حينما نتحدث عن تصحيح أوضاع هذه الجاليات، فأعتقد من الضروري أن يكون التفكير جاداً لتصحيح أوضاعهم، فالكثير من أبناء هذه الجاليات، التي تمكنت من السفر إلى الخارج، شاهدت ورأت كيف يعيش الناس وحقوقهم محفوظة، والبعض منهم هاجر من السعودية إلى دول أوروبية ودول متقدمة تلك التي لديها اهتمام وعناية بالإنسان ومستقبله وترعى له حقوقه، ملف الجاليات يجب أن يُفتح في مسألة الحقوق والرعاية والعمل وتصحيح الأوراق وأيضا ًمستقبل أجيالها. يجب أن نعترف أن الرقم الموجود في السعودية، وعددهم نحو مليوني نسمة، يجب أن يضافوا إلى قوة سوق العمل إلى جانب سبعة ملايين مقيم، إضافة إلى نحو 300 ألف يشكلون أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، هذا يعني أن ثلاثة ملايين عامل موجودون أصلاً في السعودية، وهم يشكلون الجاليات وأبناء السعوديات، ألستم معي أن سوق العمل السعودية تعاني من تضخم واضح وتحتاج إلى تقنين، أعتقد أن وزارة العمل والجوازات، ووزارة الداخلية، معنية بتحسين أوضاع وتصحيح إقامتهم بشكل سريع، أي تأخير في تصحيح الأوضاع سينعكس سلباً على الشارع السعودي وعلى سكانها، وسيعزز من تفشي الكثير من الأمراض الاجتماعية، فهؤلاء إن لم تتوفر لهم لقمة العيش وتربية أبنائهم، ورعاية أسرهم، سيلجؤون إلى طرق أخرى لتربية أبنائهم، وهناك من يتربص من أجل الاصطياد في الماء العكر، كما أن تحسين أحوالهم، والاستفادة من الخبرات الموجودة، سيخفف من فرص الاستقدام من الخارج. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon