سلم مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني مذكرة إلى البابا بينيديكتوس السادس عشر، خلال مقابلته إياه إلى جانب المراجع الدينية الإسلامية الأخرى في لبنان، في القصر الجمهوري أمس. وقال إن مضمون الرسالة «يبين الأهداف المشتركة بين المسلمين والمسيحيين». وفي نص الرسالة ترحيب بالبابا «في بلدكم الصديق لبنان، وطن العيش الوطني الواحد بين المسلمين والمسيحيين معاً في لبنان»، متمنياً «أن تحقق زيارتكم الطيبة أهدافها النبيلة في تعزيز أواصر العلاقات الإسلامية - المسيحية في لبنان خصوصاً، وفي المشرق العربي عموماً. وأثنى قباني «على مبادراتكم الإيجابية، وخصوصاً دعوتكم إلى السينودس حول الشرق الأوسط وما صدر عنه من توجهات تؤكد الاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين في الشرق العربي، وتدعو مواطنينا المسيحيين إلى التجذر في أوطانهم العربية، وإلى مواصلة أداء أدوارهم الوطنية البناءة في مجتمعاتهم المتعددة»، مثمناً «دعواتكم إلى الحوار والتفاهم والتعاون التي سبق أن أطلقتموها في المؤتمر الذي دعوتم إليه في «أسيزي». وشدد قباني على «أن المسلمين والمسيحيين في لبنان وفي الدول العربية كافة يشكلون أمة واحدة، ويتساوون في الحقوق والواجبات، وإذا كان هناك أي انتقاص لأحدهم فينبغي أن يعملوا معاً على عدم هذا الانتقاص لأي منهم، وهم يتطلعون إلى تحقيق أهدافهم المشتركة في المحافظة على الكرامة الإنسانية، وصيانة الحريات العامة، وفي مقدمها الحريات الدينية، ونعتبر نحن المسلمين أي اعتداء على أي مواطن مسيحي لدينه هو اعتداء علينا نحن المسلمين جميعاً، كما نعتبر أي اعتداء على أي كنيسة في مثابة اعتداء على مساجد المسلمين، لأن ديننا يمنعنا من ذلك وهذا ثابت في العهدة العمرية التي أعطاها الخليفة عمر بن الخطاب لبطريرك القدس صوفرونيوس، وإيماننا في الإسلام لا يكتمل ما لم نؤمن بالمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، وبكل أنبياء الله ورسله، وهو ما توقف أمامه وبتقدير كبير مجلس الفاتيكان الثاني عام 1965، والذي كنتم من الأركان العاملين عليه». وتوقف قباني عند «الأحداث التي تعصف بالعالم العربي»، لافتاً إلى أنها «تحمل كثيراً من الآمال التي تضيء لنا للمسلمين وللمسيحيين الطريق إلى غد أفضل، كما تحمل كثيراً من المخاطر التي تهددنا معاً أيضاً، ولكن كما صنعنا في الماضي تاريخنا معاً، فسنصنع مستقبلنا العيش المشترك معاً أيضاً». وعبّر قباني في رسالته عن «آلمنا لما تعرض له بعض المسيحيين في بعض بلدان الشرق من اعتداءات على أرواحهم ومقدساتهم، ورفعنا الصوت عالياً ضد كل هذه الأعمال المدانة والمرفوضة شكلاًَ ومضموناً، والتي غالباً ما تكون مدبرة لإيقاع الفتنة من أيدٍ داخلية أو خارجية تحقيقاً لمصالحها، وهي لا تسيء فقط إلى تاريخنا المشترك في العيش معاً، بل وتتناقض أيضاً مع قيمنا في الإسلام، وهي أساس في العهدة العمرية التي أعطاها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لبطريرك القدس صوفرونيوس بألا تهدم كنائسهم». وأكد تأييد «دعوتكم لمسيحيي الشرق العربي إلى الحفاظ على حضورهم في المنطقة العربية، وإلى مواصلة أداء دورهم الطبيعي في دولها مع مواطنيهم في تلك البلدان في إطار العمل الوطني المشترك، واثقين من أن ذلك سيحفظ وحدة نسيج هذه المنطقة من العالم، التي نفخر بأنها مهبط رسالات الله إلى الناس جميعاً، وإلى البشرية كلها». وقال: «نؤكد دعوتكم بأن المساواة بين المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات، وعدم التمييز بينهم على خلفية دينية أو مذهبية أو عنصرية هي قاعدة وطنية توفر الأمن والأمان لنا جميعاً». وشدد على «احترام العلاقات المميزة بين المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية في وطننا لبنان، على الصعد الشخصية والوطنية والروحية، وكانت هذه العلاقات الطيبة صمام الأمان لمواجهة الكثير من القضايا الداخلية التي تهمنا جميعاً، وترجمت هذه العلاقات عملياً رسالة لبنان في الشرق وفي العالم، ونحن حريصون على التمسك بهذه الرسالة التي تشعرنا اليوم أننا بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، لنواصل العمل معاً لخدمة البشرية والإنسانية كلها، سواء في وطننا لبنان أو في المنطقة العربية أو في العالم كله». وجدد تثمين زيارة البابا لبنان «لما تحمله من معاني المحبة للبنان الذي ارتضيناه وطناً نهائياً لنا جميعاً، والذي نريده أن يكون نموذجاً ومثالاً يحتذى في العيش المشترك الواحد على قاعدة التعاون والاحترام والمحبة، بتعاون أبنائه بصدق وأمانة ووفاء».