أمل البطريرك الماروني بشارة الراعي ب «تشكيل الحكومة قريباً لأن الشعب لم يعد يستطيع أن يتحمل»، مشدداً على أهمية «عقد قمة روحية إسلامية - مسيحية في بكركي تكون منطلقاً لحياتنا الوطنية وهي ستنور الحقيقة في عمل السياسيين». جال الراعي أمس على رؤساء المجلس النيابي اللبناني نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والمكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي، إضافة إلى مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن. وشكر الجميع على اشتراكهم في حفل توليه البطريركية وأهدى بري كتاباً بعنوان «على خطى السيد المسيح في جنوب لبنان». وقال الراعي بعد اللقاء إن الزيارة «لكي نبدأ مسيرتنا مع دولته بالتعاون الكامل والاستشارات المستمرة، كل واحد منا يستطيع من موقعه أن يخدم قضايانا اللبنانية. من المؤكد أن التمايز كبير بين الكنيسة والدولة، لكن هناك أيضاً لقاء مستمراً، الكنيسة من جهتها والدولة من جهتها تصب في خانة واحدة وهي خدمة الإنسان اللبناني والمجتمع والوطن». وأضاف: «الزيارة بداية لطريق طويل نأمل بأن نساهم به سوياً من أجل خير جميع المواطنين وخير وطننا الذي يحمل رسالة كبيرة جداً في هذا المشرق وتجاه الغرب أيضاً، هذا اصبح معروفاً ونردده بأن لبنان هو اكثر من بلد، هو رسالة، وهذا كلام للبابا يوحنا بولس الثاني. نحن مع الرئيس بري متفاهمون على كل الأمور حتى يستمر لبنان صاحب هذه الرسالة». وشكر الراعي الإعلاميين ونطلب منهم أيضاً أن يقولوا الحقيقة التي تجمع، لكنهم لم يتأخروا مرة واحدة في ذلك». وقاطعه بري مازحاً: «صعبة أيضاً». وزاد الراعي: «أحببنا أن نعرب لدولة الرئيس عن كل محبتنا وتقديرنا ليوفقه الله في مهمته الخطيرة، وتمنياتنا وصلاتنا أيضاً أن تبصر الحكومة النور في أسرع ما يمكن لكي تحل قضايا لبنان المتراكمة والكبيرة، وقد وضعنا دولته في قسم منها وهو الذي يحمل الهم الكبير الذي يخبئه وراء بسمة تخفف الأوجاع». سئل: ماذا تخفي ابتسامة الرئيس بري؟ أجاب: «جميل أن يخبئ الإنسان وجعه، وبالنتيجة، فقد أعطى ربنا الإنسان القدرة على أن يبتسم، لأن الابتسامة تحل كثيراً من المشاكل. ويقولون بالمثل البسيط «لاقيني ولا تطعميني»، لاقيني ببسمتك». وهنا قال بري:» خصوصاً في شهر الصوم». وأضاف: «شرف كبير أن استقبل اليوم غبطة البطريرك والسادة الإخوة المطارنة خصوصاً في شهر الصيام المبارك، ولأول مرة يحظى هذا الصرح في المجلس النيابي بزيارة راعوية كمثل هذه الزيارة. ولكنها كانت مناسبة لبحث شؤون وشجون لبنان بدءاً من الحكومة وانتهاء بالاغتراب، وكان هناك توافق على استمرار التواصل في سبيل لبنان واللبنانيين، ونحن أمام بطريرك لكل لبنان ولجميع اللبنانيين ولسائر المشرق». الحريري وزار الراعي والوفد المرافق بعد ذلك الحريري وعقد معه اجتماعاً موسعاً في حضور مدير مكتبه نادر الحريري والمستشارين داوود الصايغ وهاني حمود. ثم عقد الحريري والراعي خلوة استمرت نصف ساعة تحدث بعدها البطريرك فأشاد بحضور الحريري حفلة التولية مميزاً بالكثير من العاطفة والمحبة وقد رأينا كم كان متفاعلاً مع احتفال التولية». وأضاف: «إننا على تواصل مستمر وتشاور متبادل لكي نتمكن سوياً، هم من جهتهم كرجال مسؤولين ونحن من جهتنا ككنيسة أن نعمل لما فيه خير لبنان والمجتمع اللبناني. وكالعادة لا يغيب عن خاطر احد صراحته ومعرفته وقراءته للأمور وهذا بالنسبة لنا أمر له أهميته». ورد الحريري شاكراً للبطريرك زيارته «المباركة لبيت الوسط الذي أود أن تعتبرونه بيتكم وبيت كل اللبنانيين». وقال: «لا شك في ان التشاور دائماً يجب أن يصب في مصلحة لبنان وهذا ما نراه فيكم بخاصة في هذه الأيام الصعبة التي نعيشها في لبنان والتي نأمل أن شاء الله بأن تنجلي بأيام افضل، لأنه يجب أن ننظر إلى مصلحة المواطنين اللبنانيين»، مؤكداً: «الاستمرار في الانفتاح والعيش المشترك الذي نتكلم عنه دائماً ونتمنى للبنان ولغبطتكم التوفيق وسنبقى دائماً على تشاور معكم». قباني ثم زار الراعي دار الفتوى والتقى المفتي قباني في حضور الأمينين العامين لهيئة الحوار الإسلامي - المسيحي حارث شهاب ومحمد السماك. وشكر الراعي للمبادرة الكريمة التي تكرَّم فيها صاحب السماحة وهي عقد قمة روحية إسلامية - مسيحية في بكركي بمناسبة وجود بطريرك جديد تكون منطلقاً لحياتنا الوطنية كرؤساء مسؤولين نحمل هذه المبادئ الوطنية والإنسانية والاجتماعية والثوابت، الوطنية التي كلنا متفقون عليها ونعمل في سبيلها، وهي ستنور الحقيقة في عمل السياسيين». وأمل «بأن تظهر وتشكل الآن الحكومة، ونحن في أمس الحاجة إليها، ونتوقع تشكيلها قريباً وخصوصاً أن الشعب لم يعد يستطيع أن يتحمل». وقال قباني من جهته: «نحن سعداء لأننا سوف نستأنف ما بدأنا مع غبطة البطريرك (نصرالله) صفير، نريد أن نفعِّل العمل المشترك، مع إخواننا جميعاً رؤساء الطوائف». قبلان والتقى الراعي بعد ذلك الشيخ قبلان الذي استهل اللقاء بكلمة ترحيبية، متمنياً أن «تهدأ النفوس وتطمئن القلوب ونتقارب في ما بيننا ونبتعد عن الغل والحقد والحسد، ونهنئكم ونهنئ أنفسنا بكم، بمنصبكم الجديد. إن لبنان لا تقوم له قائمة إلا بجناحيه المسلم والمسيحي، ونحن لا نتعصب إلا للحق، لأن العصبية داء دفين». وأضاف: «اللبنانيون جزء واحد، لذلك نتمنى أن يكون دوركم زاهراً، ولا ننسى توجهات الكاردينال صفير الذي دعم أسس العيش المشترك والوحدة الوطنية، وأنتم على خطه، ونحن معكم (...) لبنان لا يقوم إلا بالتوافق والتواصل والتشاور». وألقى الراعي كلمة ذكر فيها بالتعاون واللقاءات السابقة وكيف «كنا نتوافق ونتشاور حول السينودس ومنه كان الإرشاد الرسولي، والروح التي تكلم بها تنبع من هذا التعاون. ونحن نواصل الطريق الذي رسمتموه مع البطريرك صفير، ونحن في أمس الحاجة إلى أن نلتقي باستمرار ونتشاور لنتحمل مسؤوليتنا المشتركة في شؤوننا اللبنانية الروحية والوطنية». حسن ثم زار البطريرك دار الطائفة الدرزية في فردان، وكان في استقباله الشيخ حسن ورئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، والوزيران أكرم شهيب ووائل ابو فاعور، والنائب مروان حمادة، وحشد من رجال الدين. وقال الراعي: «ماضينا طويل وتاريخي، وتعاوننا في لبنان وفي الجبل اللبناني كان بمسار عملنا وعمل فئات المجتمع، ونحن بعد المصالحة التاريخية التي انشأها وحققها الكاردينال صفير مع الزعيم الوطني الكبير الاستاذ وليد جنبلاط، سنواصل الطريق». واضاف: «نحن في أمس الحاجة الى التشاور كي نكون في خدمة مجتمعنا ومصيرنا الوطني، خصوصاً اننا ننتمي الى العالم العربي الذي لنا فيه دور كبير». وزاد: «هذا الدور اللبناني نحمله معا داخل لبنان كي نعود ونتجاوز كل الصعوبات الداخلية، ونحمله معنا الى عالمنا العربي ونتمنى على رغم الظروف الصعبة التي يمر بها معظم البلدان العربية ان تصل الى شاطئ الامان والسلام». وألقى الشيخ حسن كلمة ترحيب بالبطريرك باسم «الطائفة الدرزية بأجمعها وبرمزها الوطني الزعيم وليد بك جنبلاط»، واضاف: «نحن أبناء الجبل، تقاسمنا المحن والصعوبات والتدخلات، ولكن بحمد الله، بقينا راسخين في ارادة العيش المشترك. ونؤكد التلاقي والعيش المشترك والحفاظ على وحدة اللبنانيين، ونبذ الفتن، والخطاب السياسي المعتدل، والحوار ثم الحوار، ونرحب بعقد قمة اسلامية - مسيحية». ميقاتي وختم الراعي الجولة بزيارة ميقاتي في دارته أعقبها مأدبة غداء حضرها قباني وقبلان وحسن وراعي أبرشية بيروت للروم الارثوذكس المطران إلياس عودة، مطران الارمن الارثوذكس كيغام خاتشريان، والوفد المرافق للراعي. وشدد ميقاتي خلال اللقاء مع القادة الروحيين بحسب بيان لمكتبه الاعلامي، على «دور المرجعيات الدينية اللبنانية في التقريب بين اللبنانيين وعلى التعاون في سبيل إنقاذ لبنان من الأزمات التي يتخبط بها، وكذلك في صون الاستقرار الداخلي»، مؤكداً «أنه مستمر في جهوده لتشكيل حكومة تتصدى للمشكلات الكبرى وتسعى الى تبديد الهواجس الكثيرة التي تقلق اللبنانيين». وقال: «مفتاح الحلول للأزمات السياسية التمسك بتطبيق نصوص الدستور وروحيته التي تحفظ لكل الفئات اللبنانية موقعها ودورها الذي يتكامل مع مواقع الشركاء في الوطن وأدوارهم، بما يطمئن الجميع الى أن أحدا لا يستطيع إلغاء الآخر أو الانتقاص من حضوره الفاعل في الوطن ومؤسساته». وأضاف:» لقد إرتضينا الدستور المنبثق من إتفاق الطائف صيغة للحكم، ونحن حريصون على التمسك بها وحمايتها وصيانتها، لأن أي إخلال بهذه الصيغة يعيدنا الى مرحلة صعبة جداً ويفتح الباب أمام مشاريع وصيغ جديدة لن يكون سهلاً التوافق عليها». ونوّه القادة الروحيون خلال اللقاء «بتوجهات الرئيس ميقاتي الوطنية»، بحسب بيان مكتبه الاعلامي مشيدين بالروح «العالية التي يعمل بها لتشكيل الحكومة»، ودعوا كل الاطراف السياسية الى «تسهيل مهمته وتخفيف شروطهم ومطالبهم من أجل تشكيل حكومة تعمل بالتوجهات الوطنية وتنكب على معالجة الملفات الكثيرة الشائكة». وشكر الراعي من جهته لميقاتي «كل ما يحمله من هموم من خلال تكليفه تأليف الوزارة، ونؤكد له وقوفنا الى جانبه، وفرحتنا كبيرة اليوم لوجود أصحاب السماحة والسيادة من كل الطوائف». وخاطبه قائلا: «نقول لك اننا ندعمك. نحن نقدر الصعوبات والمشاكل لكن نقدر فيك أيضا صبرك ومحبتك وإهتمامك بأن تسلم الامور في ضوء الدستور وفي روح الوفاق، لانه في النهاية نحن عائلة واحدة، واذا لم نعش جمالية العائلة الواحدة لا نصل الى نتيجة، وشكراً لكل ما تقوم به من أجل لبنان، ونؤكد لك صلاتنا كي تتمكن فعلاً من الوصول الى مبتغاك وتستطيع أن تؤلف الحكومة التي ينتظرها جميع اللبنانيين بفارغ الصبر». واضاف:» نريد القول إن المواطنين لا يستطيعون بعد الآن التحمل وأنت تعرف ذلك، ومن المؤكد أن شعبنا يفرح عندما تكون عنده حكومة تتولى أموره وعندما يجد من يحمل معه عبء المشاكل الاقتصادية والمعيشية». وتابع: «نتطلع الى شبابنا الذين يريدون ان يتطلعوا بدورهم الى المستقبل وهم لم يجدوا أمامهم سوى طريق الهجرة، كما ان هناك المراكز الشاغرة التي تنتظر التعيينات فيها، وكل هذه الامور تتراكم على قلبكم الكبير». وزاد: «هذا اللقاء الذي هو مقدمة لما شاءه أصحاب السماحة بأن يتمكن رؤساء الطوائف من عقد مؤتمر إسلامي – مسيحي في بكركي على أن يصبح بعدها مداورة بشكل دائم كي نستطيع دعمكم أنتم من تتولون زمام الامور في البلد. إننا في حياتنا الروحية والراعوية، مسلمين ومسحيين، نستطيع دعمكم في المبادىء والثوابت والقيم ولكي تتمكنوا من العيش مع جميع السياسيين في لبنان جمال فن السياسة، فن الممكن وفن خدمة الخير العام».