يعيش في دول المشرق العربي وإيران ومصر نحو 356 مليون مواطن، منهم حوالى 20 مليوناً من المسيحيين والأكثرية الساحقة من المسلمين، ومن هؤلاء المسيحيين نحو ستة ملايين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية التي يرأسها البابا بنيدكتوس السادس عشر، والتي يلتقي ممثلوها في روما في جمعية خاصة بمسيحيي الشرق الأوسط. سبب الاجتماع لم يعد غامضاً. انه، بحسب ما أعلن وأكد غير مرجع ديني وزمني مسيحي، الأحوال السياسية والأمنية والاجتماعية التي تدفع بكثيرين من أبناء المنطقة للهجرة الى بلدان غربية غالباً ما يندمجون في مجتمعاتها. وأدى ذلك ويؤدي الى تناقص مريع في عدد المسيحيين من أبناء المشرق العربي، خصوصاً في فلسطين مهد السيد المسيح وفي العراق، في أعقاب مشكلات ذات طابع سياسي هزت البلدين. ففي فلسطين تدفع السياسة الاسرائيلية نحو تهجير كل الفلسطينيين وفي مقدمهم المسيحيون، وترتفع شعارات «الدولة اليهودية» التي لا يراها البطريرك الماروني اللبناني نصرالله صفير جديدة، بل هي قديمة قدم قيام الدولة العبرية وهي «تهدد المسلمين والمسيحيين معاً بالتهجير والاقتلاع». وفي العراق أدت الحروب، منذ الحرب الإيرانية - العراقية الى الاحتلال الأميركي وما تلاه، الى هجرة كثيفة للمسيحيين العراقيين الى جانب مواطنيهم من المذاهب الأخرى، لكنها هجرة فادحة بالنسبة الى المسيحيين. وجاء ذلك بعد الأوضاع التي مر فيها لبنان ودفعت بعشرات الألوف من مواطنيه الى مغادرته، نسبة كبيرة منهم من المسيحيين. هذه الظروف والتحولات ترافقت مع اندفاعة بارزة لأفكار دينية متعصبة ومتطرفة في العقد الأول من الألفية الثالثة، ما وضع المخاوف والقلق على المصير على جدول الأعمال وليس مجرد مسألة نظرية. تأخر عقد «الجمعية الخاصة من أجل مسيحيي الشرق»، أو ال «سينودس»، وتساءل المراقبون لماذا لم يُعقد منذ زمن ليحاول استكشاف الاحتمالات ويرسم خططاً لمواجهتها، إلا أن لرئيس الشرق في «السينودس» البطريرك صفير رأياً آخر، فهو يرى أن «الجمعية نتيجة وليست سبباً»، هي نتيجة لكل ما جرى ويجري، وعقدها في روما يأتي لأن البابا بنديكتوس أرادها برعايته «إذ نحن عملياً في لبنان نعيش السينودس يومياً»، بمعنى الحوار والممارسة على الأرض. اليوم الاثنين تنطلق المناقشات في الفاتيكان، وللمرة الأولى سيعتمد السينودس اللغة العربية لغة رسمية الى جانب الايطالية والانكليزية والفرنسية. وتشارك في المناقشات 6 كنائس شرقية كاثوليكية، وسيترأسها 4 رؤساء عينهم بابا الفاتيكان من بينهم رئيسا شرف: البطريرك صفير، بطريرك الموارنة، والكاردينال عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل للكلدان في العراق، والى جانبهما الكاردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية والبطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك انطاكية للسريان في لبنان، والمقرر العام بطريرك الاسكندرية للأقباط انطونيوس نجيب ورئيس أساقفة قبرص للموارنة المطران يوسف سويف. تأخر ال «سينودس»، لكن المشاركين فيه يعولون كثيراً على ألا تبقى مقرراته حبراً على ورق، وان تكون بمثابة أجوبة سياسية وعملية (مادية) وروحية على المشكلات التي يعاني منها مسيحيو الشرق، وتشكل أساساً للحوار الذي يتمسكون به مع شركائهم في أوطانهم من المسلمين. ولا يخفي هؤلاء السرعة التي تمت فيها الدعوة الى اللقاء، ويشيرون في هذا السياق الى انه كان يمكن التباحث مع الأزهر الشريف في إمكانية مشاركته، كما انهم لا يخفون تعويلهم على أهمية الحوار بين الأديان كثقافة تترسخ بقيادة زعماء مسلمين معتدلين. يُذكر في هذا السياق أن منظمي اللقاء سيستقبلون ثلاث شخصيات، دعاها البابا، تمثل أدياناً ومذاهب أخرى، وسيكون لمشاركتها معنى «مهم». وهؤلاء هم: مستشار مفتي الجمهورية اللبنانية محمد السمّاك عن المسلمين السنّة، وآية الله السيد مصطفى أحمدي أباد أستاذ القانون في «جامعة الشهيد بهشتي» في طهران عن المسلمين الشيعة، والحاخام دافيد روزين مدير قسم شؤون العلاقة بين الأديان في اللجنة اليهودية الأميركية ومعهد «هلبرون للتفاهم العالمي بين الأديان» عن اليهود.