على رغم أن البرلمان العراقي أقر قانون منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة في حزيران (يونيو) الماضي، ما زالت شوارع بغداد ومساحاتها المشتركة تغصّ بالمدخنين. المفارقة أن الكثير من العراقيين لا يعلمون بإقرار هذا القانون، فيما تغيب آليات تنفيذه وهو الذي ينص على عقوبات مالية تُفرض على المخالفين، لكن العراقيين الذين يعلمون بأمر القانون لا يكترثون بتطبيقه من تلقاء أنفسهم، على ما يبدو. مشاهد المدخنين في الشوارع والأماكن العامة والمطاعم ما زالت على حالها، وأعقاب السجائر المرمية على الأرض تنتشر في أنحاء البلاد، خصوصاً العاصمة بغداد، كما هي غالباً أحوال المدن، لا سيما العربية، إذ يزداد فيها التوتر والازدحام وتتبدى الرغبة في «تنفيس» الاحتقان اليومي من خلال «مجّة» سيجارة أو نارجيلة تشعر مدخنها بشيء من الراحة ولو زيفاً. الطالب الجامعي سعيد محمود (27 سنة)، من مدمني السجائر والنارجيلة، ويقول إن أي مظهر من مظاهر تطبيق القانون مفقود: «في بادئ الأمر عندما أقرّ البرلمان القانون تملّكنا فزع بسبب إمكان تطبيق هذا القانون الذي يحتاج إلى ثقافة مجتمعية»، وقد لا يسعه و «رفاقه» المدخنين الاعتياد على مفاعيل التنفيذ بهذه السرعة، هذا إذا استطاعوا أصلاً. ويستغرب أن غالبية العراقين لا تدري بإقرار القانون، فيما لم يشهد الأهالي، ولا أصحاب المطاعم والمقاهي، ولا حتى غير المدخنين المفترض أنهم معنيون بالقرار، أي تحرّك من الحكومة لتطبيقه، بل إن أحداً لم يطالب بذلك. ويتساءل سعيد ضاحكاً: «من الجهة التي ستطبق القانون؟ هل هم رجال المرور أم قوات الشرطة أم الجيش أم فرق متخفية تابعة لوزارة الصحة؟». ووفق إحصاءات اتحاد الغرف التجارية العراقية، يتوافر في الأسواق ما يقارب 126 نوعاً من السجائر المستوردة، إضافة إلى تزايد معامل محلية لإنتاج تبغ النارجيلة المعروف ب «المعسل» بعد تزايد إقبال العراقيين على تدخين النارجيلة منذ عام 2003، بعدما كان تدخينها يقتصر على كبار السن. ولا يتوقع سلام داود (45 سنة)، وهو صاحب محال تجارية في بغداد، أن ينفّذ القانون، ويقول إن «التدخين أصبح عادة عراقية بامتياز، فنحن نربط قضية التدخين بمعاناتنا ومآسينا، ولن يتوقف العراقيون عن التدخين حتى تنتهي المآسي وتزول صعاب الحياة اليومية التي نعيشها». الطبيب علي العنبوري، وهو أيضاً ناشط مدني، يقول إن تشريع هذا القانون مهم وغالبية الدول المحيطة بالعراق أقرته وكان آخرها لبنان، لكن آليات تطبيق القانون في العراق مفقودة. ولعل ما يعقّد المسألة الفوضى الأمنية المطبقة على البلاد منذ سنوات والتي تجعل تطبيق السلطات لقانون من هذا النوع أشبه بالمزحة، خصوصاً أن السلطات ذاتها غير قادرة على حماية مواطنيها من التفجيرات الإرهابية والعمليات الإجرامية، فكيف تتوقع التزام المواطنين وكيف تفرض عليهم التطبيق؟ وجاء قانون منع التدخين في الأماكن العامة في 21 مادة قانونية. وتنص المادة الرابعة على منع التدخين داخل المباني الحكومية والمطارات والشركات والمصانع، إضافة إلى المسارح ودور العرض والفنادق والنوادي والمطاعم وقاعات الاجتماعات ووسائل النقل العام والخاص الجماعية البرية والبحرية والجوية في الرحلات الداخلية والخارجية. وتنص المادة ال17 على فرض غرامة على المخالف تعادل تسعة دولارات، ويعاقَب من يدخّن في الأماكن العامة المحددة في المادة الرابعة من هذا القانون. ويبدو أن انخفاض الغرامة ولّد نوعاً من التساهل واللامبالاة لدى المدخنين الذين يضحكون عند الحديث عن قانون منع التدخين في الأماكن العامة. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن أكثر من ثلث سكان العراق من المدخنين، وتتركز الغالبية بين الذكور الذين يجدون ضالتهم في أسعار السجائر الرخيصة منذ عام 2003، قياساً بأسعارها في الدول المجاورة، بسبب غياب الرقابة الحكومية على استيرادها، إضافة إلى عدم إخضاعها لضريبة عالية، إذ لا يتجاوز سعر بعض علب السجائر 20 سنتاً.