هز الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، والذي راح ضحيته السفير كريس ستيفنز وثلاثة ديبلوماسيين، الوسط السياسي والانتخابي في الولاياتالمتحدة مع تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما «العمل مع الحكومة الليبية لتقديم القتلة إلى العدالة»، وقيامه بإرسال دفعة من قوات «المارينز» لحماية السفارة. غير أن هذا لم يكن كافياً لمنافسه الجمهوري ميت رومني الذي انتقد الرد «المعيب» للإدارة واتهمها ب «التعاطف مع الخصوم»، قبل سبعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية. وحاولت الإدارة استيعاب الصدمة التي أفاقت عليها الولاياتالمتحدة أمس وعزلها، في إطار «عمل مجموعة صغيرة ومتوحشة» كما قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وفيما سعى أوباما إلى مواساة عائلات الضحايا والتأكيد على احترام الولاياتالمتحدة لجميع المعتقدات، شدد في الوقت نفسه على «عدم وجود مبرر لما حدث». واعتبر الرئيس الأميركي، من الحديقة الوردية وإلى جانبه كلينتون، أن الحادث لن يؤثر في العلاقات الأميركية - الليبية. وقال: «لا يخطئن أحد الظن. سنعمل مع الحكومة الليبية على تقديم القتلة الذين هاجموا أبناء وطننا إلى العدالة». ولحق البيان إعلان مسؤولين أميركيين إرسال نحو خمسين عنصراً من «المارينز» إلى ليبيا لحماية الديبلوماسيين الأميركيين وتحسين وضعهم الأمني. وكانت كلينتون قالت، في كلمة هدفت إلى تهدئة الرأي العام الأميركي واحتواء مضاعفات الحادث: «يجب أن نكون متيقظين حتى في حزننا. هذا الهجوم قامت به مجموعة صغيرة ومتوحشة وليس الحكومة والشعب الليبي». وأضافت: «حين حصل الهجوم، وقف الليبيون ودافعوا عن قنصليتنا وجرح بعضهم... وحملوا جثة كريس إلى المستشفى»، مضيفة أن رئيس المجلس الوطني الليبي محمد المقريف دان هذا الهجوم وأكد الاستعداد لتقديم كل الدعم اللازم. وقالت كلينتون أن العلاقات بين ليبيا وأميركا «لن تكون ضحية أخرى لهذا الهجوم»، كما شددت على أن «المهمة التي أتى من أجلها كريس وشان سميث (المسؤول الإعلامي في القنصلية) إلى ليبيا سامية وضرورية». ولكنها تساءلت: «كيف يمكن أن يحصل هذا في بلد ساعدناه ليتحرر وفي مدينة ساعدنا في إنقاذها من الدمار؟»، مضيفة: «دعوني أكون واضحة، لا يوجد مبرر لهذا، ولا أي مبرر. فالعنف كهذا ليس الطريقة لتكريم الدين أو المعتقد». ودخل الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في الجدال الانتخابي. إذ سارعت حملة المرشح الجمهوري ميت رومني إلى اتهام إدارة أوباما ب «بالاعتذار لخصوم الولاياتالمتحدة و «عدم تقديم سياسة واضحة وقيادية في الشرق الأوسط» في إشارة إلى تعليقات للسفارة الأميركية في القاهرة على موقع «تويتر» تدين «إيذاء مشاعر المسلمين» مع عرض الفيلم المسيء في الولاياتالمتحدة. وحاول المرشح الجمهوري البناء عليه لإظهار تشدده الخارجي واستقطاب قاعدته الحزبية. وتفاجأت حملة أوباما، والكثير من المراقبين، لاستخدام رومني لمأساة إنسانية من هذا النوع لأغراض سياسية. ويتفوق أوباما حالياً على منافسه على الرئاسة في استطلاعات الرأي إنما بنسبة أقل من خمسة في المئة، ما يزيد من حساسية أي أزمة تخوضها الولاياتالمتحدة داخلياً أو خارجياً. وأعاد اعتداء بنغازي إلى الأذهان أزمة الرهائن في إيران في 1979-1980 والتي ساهمت إلى حد كبير بخسارة الرئيس السابق جيمي كارتر أمام الجمهوري رونالد ريغان. غير أنه خلافاً لكارتر، يحظى أوباما برصيد قوي بين الناخبين في قضايا الأمن القومي بسبب قتل أسامة بن لادن، كما تتميز العلاقة الأميركية - الليبية بدفء خاص بعد سقوط نظام معمر القذافي وفي شكل يعاكس مسار واشنطن - طهران بعد الثورة. ومن المتوقع أن تزيد الحملتان من حدة تبادل الهجوم في الأسابيع المقبلة، بسبب الانقسام الواسع في الصف الأميركي والهامش الضيق للاستطلاعات بين الجانبين.