تجددت امس الاشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلحين السوريين عند أطراف بلدة عرسال الحدودية مع سورية، ما أعاد إلى الذاكرة المواجهة الأولى التي حصلت بداية الشهر الجاري وأسفرت عن احتجاز عسكريين لبنانيين لا يزال مصيرهم مجهولاً. وأسفرت المواجهة الجديدة المحدودة عن فقدان احد العسكريين اللبنانيين وإصابة آخر بجروح، وإنقاذ أربعة آخرين من كمين مسلح تعرضت له آلية للجيش. وأكدت وكالة «الأناضول» التركية «أن تنظيمي «الدولة الإسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة» ينفيان أسر أي جندي لبناني في معارك اليوم (أمس) في جرود عرسال». وكانت أصوات مدفعية الجيش اللبناني دوت في العاشرة ليل أول من امس في منطقة وادي حميد في جرود عرسال، وتبعها قصف مدفعي قرابة الواحدة ليتجدد في الثالثة فجراً، ليعود الهدوء صباحاً إلى المنطقة. ولم تشر أي جهة إلى طبيعة ما جرى، باستثناء الحديث عن اشتباكات بين المسلحين السوريين والجيش اللبناني. وقرابة الحادية عشرة قبل ظهر امس، اندلعت مواجهة جديدة لكن هذه المرة في منطقة وادي الرهوة في الجرود ضمن الأراضي اللبنانية. وشرحت قيادة الجيش- مديرية التوجيه في بيان ما جرى بأن «آلية تابعة للجيش في داخلها خمسة عسكريين تعرضت في منطقة وادي الرهوة– عرسال إلى كمين من قبل مسلحين إرهابيين، وعلى أثره قامت قوى الجيش بشن هجوم على المسلحين وتمكنت من إنقاذ أربعة من العسكريين وتم تدمير آلية عائدة للإرهابيين مجهزة بمدفع مضاد للطائرات عيار 23 ملم وإصابة من في داخلها بين قتيل وجريح. ونتج عن الاشتباكات فقدان أحد العسكريين اللبنانيين وإصابة آخر بجروح». وعم هدوء حذر بلدة عرسال من دون أن يتمكن اهاليها من معرفة تفاصيل ما يجري، وحافظ الجيش اللبناني على دورياته في البلدة، واستقدم تعزيزات عسكرية إلى المنطقة. وتعددت الروايات الإعلامية، وذكر بعضها أن الجيش «تصدى لمحاولات تسلل واعتداء على مواقعه». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر أمني رفض الكشف عن اسمه، أن «مسلحين اطلقوا النار فجراً على حاجز للجيش في منطقة وادي حميد في جرود عرسال، من دون تحقيق إصابات، وأن مواجهات اندلعت في وقت لاحق». وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) ب «أن موقع الجيش في وادي حميد تعرض خلال الليل الماضي لهجوم من قبل المسلحين الذين حاولوا تطويق الموقع والتقدم باتجاه بلدة عرسال، وأن الجيش رد المهاجمين ودارت اشتباكات عنيفة نتج منها وقوع إصابات في صفوف المهاجمين فيما لم تسجل أي إصابات في صفوف الجيش الذي استخدم القنابل المضيئة حتى ساعات الصباح الأولى»، وأضافت لاحقاً «أن مجموعة مسلحة من «داعش» و«النصرة» هي التي اعترضت دورية للجيش في منطقة الرهوة». وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق تحدث بعد خروجه من جلسة مجلس الوزراء التي شغل الوضع في عرسال جزء كبيراً من مناقشاتها، عن «سقوط جريح ومفقود للجيش اللبناني، جراء الاشتباكات التي دارت في عرسال بين الجيش والمسلحين». وشهدت عرسال نزوحاً داخلياً من مناطق قريبة من مواقع الاشتباكات إلى أحياء أكثر اماناً في البلدة، كما شهدت حالات نزوح للنازحين السوريين من مخيمات قريبة من مناطق الاشتباكات إلى خارج عرسال. وأكد رئيس البلدية علي الحجيري أن الوضع في عرسال طبيعي، وأن الجرود يتفاوت بُعدها من البلدة ما بين 10 و20 كلم، وبالتالي لا يزال الوضع في البلدة محافظاً على هدوئه. وقالت المسؤولة في قطاع المرأة في «تيار المستقبل» وهيبة الفليطي التي تعمل في مستوصف الحريري الذي سبق أن تعرض إلى القصف في الاشتباكات السابقة أن «الأهالي لا يريدون مغادرة البلدة خوفاً من أي عملية احتلال للمنازل من قبل المسلحين وبعضهم أبعد عائلته خشية تكرار ما حصل سابقاً». حادث عين عطا وفي المقلب الآخر من البقاع اللبناني، سجل في الواحدة فجر أمس، تسلل سيارة من نوع «فان» وفي داخلها عشرة سوريين وثلاثة أشخاص لبنانيين، خلسة عبر طرق غير شرعية في بلدة عين عطا- قضاء راشيا، ولم تمتثل لأوامر عناصر نقطة عسكرية للتوقف، فحصل إطلاق نار وأصيب شخصان وقتل ثالث من ركاب الفان. كما ألقي القبض على بقية الركاب. والقتيل سوري يدعى سامي صلاح رجب، والجريحان سوريان أيضاً. وذكرت الوكالة «الوطنية للإعلام» أنه جرى «توقيف سائق الفان المدعو م.ع. لبناني من بلدة الرفيد، كما أوقف أيضاً (ر.ع.) و (ت.ع.) لدى مخابرات الجيش بالإضافة إلى 10 سوريين، والسوريون يحملون أسلحة. وتم نقل المصابين إلى مستشفى راشيا الحكومي». وكان لافتاً ليل أول من أمس، استهداف نيران الأسلحة السورية منزلاً في بلدة العبودية على الحدود اللبنانية الشمالية مع سورية، وذلك بالقرب من مخفر الدرك يسكنه آل تامر، وسادت الحدود حال من التوتر وإطلاق النار لبعض الوقت، ما ادى إلى حرائق في أراض زراعية. الجراح لفصائل الثورة ودعا عضو كتلة «المستقبل» النيابية جمال الجراح في تصريح «جميع فصائل الثورة السورية في جرود عرسال إلى التعاطي مع قضية العسكريين اللبنانيين المحتجزين من منطلق الأخوة التي تجمع بين شعبينا، ومن باب الحكمة والمسؤولية التي يجب أن تحكم الأمور لكي لا نسمح لأحد أن يبعدنا عن ديننا وتاريخنا وإنسانيتنا، وذلك لتفويت الفرصة على هؤلاء الذين لا يريدون إلا تسعير الفتنة واستمرارها وإنتاج جروح تؤدي إلى شقاق بين شعبنا». وأضاف: «إنني على يقين بأن جميع المخلصين من لبنانيين وسوريين لا يدخرون جهداً للوصول إلى حل لهذه المسألة يبعد عنا جميعا الشرور ويطفئ نار الفتنة ويحافظ على أرواح جنودنا»، معتبراً أن «قضية العسكريين المحتجزين لدى بعض فصائل الثورة السورية، يريد البعض لها أن تتفاعل لتتحول إلى مأساة لبنانية- سورية غير عابئين بأرواح أبنائنا وإخوتنا من العسكريين». وذكر بأنه «منذ بداية الثورة السورية وقفت غالبية الشعب اللبناني إلى جانب الشعب السوري وثورته ضد نظام الطاغية بشار الأسد، ومدت يد العون والمساعدة لهذا الشعب الذي عانى أبشع أنواع القتل والإرهاب. ومع اندلاع المعارك في القلمون وتدخل حزب الله فيها إلى جانب بشار الأسد أصبح الشعب اللبناني ومعه النازحون السوريون ضحية المؤامرة التي تحاك ضد شعبنا، فأتت معركة عرسال لتفتح منفذاً آخر لكل الذين لا يريدون الخير للبنان وشعبه وللثورة السورية والنازحين».