لا يمكن الداخل إلى معرض الكاريكاتور «نرسم غزة» في قاعة الجليل في متحف محمود درويش، إلا أن يتوقف أمام العديد من اللوحات المدهشة والصادمة التي أعدها قرابة 96 فناناً من دول عدة، بينهم كاريكاتوريون عالميون. من بين هذه اللوحات، لوحات الفنان الإسباني العالمي المعروف باسم «كاب» الذي حاكى في لوحته الرسم الشهير لرواد الفضاء الأميركيين وهم يغرسون العلم الأميركي على سطح القمر خلال رحلتهم المكوكية التاريخية، ليرسم جنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يرفعون علم دولة الاحتلال، أو حتى يغرسونه، بين أو فوق جثامين أهل غزة. وعلى مقربة منها، أخذت لوحة للفنان الكوبي العالمي انخيل بليغون مكاناً لها، ليس فقط على جدار القاعة القريبة من ضريح الشاعر الفلسطيني محمود درويش، بل في مخيلة غالبية زوار المعرض، إذ تظهر صاروخاً كبيراً يسقط على أشخاص ينتظرونه ليقتلهم. كما تصوّر لحظة ترقب الموت التي عاشها الغزيون في الأيام الماضية. واستطاعت رسامة الكاريكاتورية المغربية هدى البكاري لفت أنظار حضور معرض «نرسم غزة»، حين رسمت أماً بوجه جمجمة أقرب الى الجماجم الهوليوودية، تحتضن رضيعها الذي لا يزال على قيد الحياة، تعلوها عبارة بالإنكليزية «احموا الأطفال». وكان للوحة رسام الكاريكاتور الأردني عمر العبدللات، حضورها اللافت في المعرض، لما حملته من عمق ودلالات كان الكاريكاتور حاضراً فيها. فاللوحة مقسمومة الى جزءين، الأول عبارة عن رسم لخريطة فلسطين على شكل ورك دجاجة، والثاني يجسّد خريطة مهشمة يعلوها رأس لطير الغراب الذي ارتبط في الثقافة الشعبية العربية بالشؤم والدمار. لوحة تشبه الإعلانات المصوّرة التي نجد فيها «قبل وبعد»، ولكن هذه المرة «قبل وبعد العدوان أو الحرب على غزة». ورسم الفلسطيني المقيم في البحرين علاء اللقطة، كاريكاتوراً ذا أبعاد دينية، فكأن أطفال غزة يعيدون بناءها وهم في السماء، ما يتماهى والنصوص الدينية الإسلامية التي تشير إلى أن الأطفال الشهداء والقتلى نصيبهم الجنة. وأشار محمد سباعنة رسام الكاريكاتور الفلسطيني ومنسق المعرض، الى أنه كفنان فلسطيني كان من الطبيعي أن يرسم غزة، لكنه رغب في أن يضطلع بدور أكبر. ولذلك، تواصل مع أصدقائه حول العالم ليرسموا عن غزة، كما قال ل «الحياة». وأضاف: «منهم من كان يؤيد القضية الفلسطينية ومنهم من كان يحتاج الى تحفيز... عدد منهم تبنوا الرواية الإسرائيلية، ولكن بعدما كشفت لهم حقيقة الواقع المرّ، تغيرت فكرتهم ورسموا لغزة». اقترح سباعنة على مدير متحف محمود درويش، تنظيم معرض كاريكاتور دولي بمشاركة فنانين من العالم كان تواصل معهم، فرسموا وأرسلوا لوحاتهم عبر البريد الإلكتروني. ثم نسخها سباعنة وجهزها للعرض، ولم يُستثن منها إلا اثنتان او ثلاث لوحات «لأنها ساوت بين الجلاد والضحية»، كما أوضح. ورأى سباعنة أن قيمة المعرض الفنية، «تكمن في اختلاف المدارس والفنانين المشاركين، ما أغنى المعرض وجعله متنوعاً، إضافة إلى ما لفن الكاريكاتور من دور مهم في نقل الرسالة الإنسانية إلى شعوب العالم». وقال: «هناك دول تشتري ذمم بعض الرسامين للتأثير في الرأي العام، ونحن في الوطن العربي لنا دور كبير في إيصال القضايا الإنسانية والسياسية والتأثير في الرأي العام وتحريك الشارع الداخلي». أما سامح خضر المدير العام لمتحف محمود درويش فقال ل «الحياة»، إن «كثيراً من الفنانين المشاركين في المعرض ليسوا فلسطينين، لكنهم انتصروا للقضية الفلسطينية... كل الرسومات أجمعت على الانتصار للقيم الإنسانية... شاهد هؤلاء الفنانون اخبار غزة وما تتعرض له من عدوان، فخرجت رسومهم لتعبّر عن هول المجزرة». يذكر أنه كان لفنانين ايطاليين دور بارز في المعرض، إذ شارك منهم ثمانية من خلال لوحات تدعو إلى التسامح وتدين قتل الأطفال. فالرسام أندريه باكيا رسم «الشمعدان اليهودي» على انه محطة صواريخ، وأظهر في اللوحة رؤوس الشمع على انها صواريخ تطلقها اسرائيل على غزة. واعتمد بعض الرسامين الأوروبيين على السريالية في لوحاتهم، فيما تناول بعضهم الصمت العربي. وكانت الغلبة لتيمة استهداف الأطفال، كما لم تغفل اللوحات الإشارة إلى الصمت الدولي. وتناولت أيضاً جدلية آلة القتل الإسرائيلية في مواجهة الحجر الفلسطيني.