استطاع رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشاب محمد سباعنة أن يهزم الاحتلال وسجّانيه بلوحاته التي رسمها في الزنزانة. وفي ظروف استثنائية، قدمت أخيراً في معرض «الزنزانة 28»، قبل أن يحصل على الجائزة الثالثة في مسابقة الكاريكاتور العربي. بداية الحكاية كانت عندما اعتقلت قوات الاحتلال سباعنة، عند معبر الكرامة آتياً من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية. «كنت في رحلة عمل، ونُقلت مباشرة إلى مركز تحقيق الجلمة في شمال فلسطينالمحتلة عام 1948»، يقول سباعنة ل «الحياة». ويسترجع ما حدث معه: «ظروف التحقيق في الداخل كانت صعبة ومرّة... أثناء وجودي في زنازين التحقيق بعد فترة طويلة من العزلة داخل الزنزانة المعتمة (وإن كنت أدرك أن هذا الحصار النفسي شكل من أشكال التعذيب الذي يتخذه المحققون) قررت أن أقوم بمعرض عن ظروف الاعتقال... وكانت فكرة المعرض بحد ذاتها شكلاً من أشكال مقاومة هذه الحرب النفسية». ويؤكد سباعنة: «يريد المحقق الإسرائيلي وللحظة أن تظن أنك لن تخرج من هذه الزنازين التي يريدها أن تكون عالمك، كأسلوب من أساليب الضغط النفسي، لذا قررت أن أرد السحر على الساحر وأن أخرج بلوحاتي خارج عتمة الزنزانة». ويروي سباعنة كيف أتت فكرة المعرض وهو سجين في زنزانته، عندما سمع صوتاً من زنزانة مقابلة ينادي من هناك؟ فردّد سباعي اسمه. فصرخ من هو في الزنزانة المقابلة: «الله ينصرك أنت من رسم للأسرى سامر عيساوي وغيره... لن ينساك الناس خارج الزنزانة». ويقول سباعنة: «كان ذلك كالأمل في ظل استفزازات المحققين وعتمة الزنزانة... بعد ما يقارب الشهرين نقلت إلى سجن النقب الصحراوي، وكان معي في حقيبتي دفتر للرسم وأقلام حبر، فبدأت برسم اللوحات التي فكرت بها داخل الزنزانة، بدّدت وقتي بالرسم، وكان الأسرى يحيطون بي ليشاهدوا هذا المخلوق الذي جاء إلى السجن كي يرسم، وكان يمازحني أحدهم «قوم انحبسلك شوي أنت جاي ترسم؟». ويكشف سباعنة ل «الحياة»، أنه هرّب اللوحات مع أسرى انتهت محكومياتهم. مع العلم أن معظم اللوحات خرجت غير مكتملة، «من دون تعليق أو نص وبعضها ناقص بعض أجزائه، فالهدف كان إخراجها من السجن»، كما يُسرّ. بعد انقضاء خمسة أشهر خرج سباعنة من السجن، وكان المشروع قد اكتمل، وافتتح معرض «زنزانة 28» التي «هزمتُها بلوحاتي المحرّرة من السجن لتخرج إلى الناس». استخدم أوراقاً كانت معه وأقلام حبر فقط، فداخل السجن الإمكانات بسيطة، و «للكاريكاتور لم أكن محتاجاً لأكثر من ذلك»، يقول. ويضيف: «الأعمال داخل السجن أخذت منحى مختلفاً عن خارجه، حيث اندمجت أكثر بالحالة الإنسانية للأسرى... رسوماتي عرّت الأسير من هالة الأسطورة المحيطة به والتي يستحقها، ولكني أؤمن بأننا نضفيها عليه أحياناً، لنتبرأ من عقدة الذنب المحيطة بضعفنا الناجم عن عدم قدرتنا على صنع شيء له». تحدث سباعنة مع الأسرى من مختلف التنظيمات الفلسطينية، سمع آراءهم في الشارع وفي ما يحيط بهم، وعن ضعف الحراك الشعبي الداعم لهم وتذمرهم أحياناً منه. كما استمع إلى قصصهم مع أبنائهم، فهناك أسير توفي والده ولم يره، وآخر ولد ابنه ولم يحمله، وثالث التقى ابنه في زيارة المعتقلين ولم يعرفه. «قصص تظن أحياناً أنها من الدراما التلفزيونية المبالغ بها، لكنها قصص واقعية تحدث هنا في فلسطين، وفي فلسطين حصرياً ربما»، يوضح سباعنة. ويفيد: «أحياناً كنت أشعر أنني مراسل صحافي ذهب الى منطقة منكوبة ليغطي ما يحدث فيها، لذا تجد بعض الأعمال في المعرض عبارة عن ناقل فقط لما يحدث داخل السجون من دون أي صورة بلاغية أو تورية أو إبداع... هي فقط صورة. لكنّ هناك جزءاً من الأعمال حمل صور بلاغية وهي تدور أيضاً في فلك المعاناة الإنسانيه للمعتقلين». لا ينكر سباعنة أنه اصطدم بصورة الأسطورة التي لا يمكن إلغاؤها تماماً عن الأسرى، وفق رأيه. ويؤكد: «لا نستطيع أن نتناسى أن المطالبة بالحرية والتحرر كأسمى القيم الإنسانة، حاجة لا بد من بلوغها لهذا الشعب وللأسرى الذين هم في طليعة المطالبين بهذه القيمة». ومعرض «زنزانة 28» ليس المعرض الأول لسباعنة، فله معارض عدة كان آخرها العام الماضي في مقاطعة ويلز البريطانية، تناول معاناة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المطالبة بحريتها. كما شارك العام الماضي، في الكثير من المعارض الدولية في برلين، جنيف، هولندا، ماليزيا وإسبانيا. ويحضر سباعنة الآن، لينقل معرض «زنزانة 28» إلى إقليم الباسك ومن ثم إلى جنوب أفريقيا. واختتم حديثه مع «الحياة»: «لوحاتي من داخل الزنزانة أراها أداة هزمت من خلالها قبح الاحتلال، وأثبتت أن الفلسطيني سيظل جميلاً، على رغم كل شيء، وأنه قادر على المقاومة بشتى الأساليب في مواجهة الاحتلال».