في معظم اللقاءات التي أُجريت مع المخرج السوري حاتم علي أخيراً على الشاشات الصغيرة، كانت الأسئلة والإجابات كلّها تدور حول عمله الأخير «عمر» الذي عرض خلال رمضان الفائت. مع ذلك، فإن حاتم علي عبّر في كل الحوارات، لا سيما في حوار مع «العربية» بدا متأخراً بعض الشيء، عن رؤيته للدراما التلفزيونية بصورة بليغة: «وما أتحدث عنه هنا بالذات إنما هو الجزئيات والتفاصيل، ودائماً من دون ان ننسى القضايا الكبرى والعناوين الرئيسة لهذا الفن التلفزيوني الذي بات يملأ دنيا العرب ويشغل أهلها كما لم يفعل فن آخر». وانطلاقاً من هذا الحضور الحواري ولئن كان المخرج التلفزيوني الأبرز هذا الموسم، تُطرح مسائل مهمة ابرزها مثلاً: هل يكفي أن ينتمي العمل الدرامي الى ما نسميه عادة «الإنتاج الضخم» ليحقق النجاح الفني والانتشار الجماهيري معاً؟ الكلفة الإنتاجية تتناسب بالضرورة مع متطلبات العمل، وبديهي أنها في حالة الدراما التاريخية تصبح كلفة «ضخمة» ولكن فقط بالقياس الى الأعمال المعاصرة التي يجرى تصويرها عادة في البيوت والشوارع والأماكن العامة. مع ذلك، فالأهم في منطق حاتم علي هو تركيزه على التفاصيل الفنية التي يعتبرها صنّاع الدراما فنوناً «تكميلية» خصوصاً ما يتعلق بالملابس والديكورات وملحقاتها من الإكسسوارات وغيرها مما يماثلها. هذه الجزئيات هي في حالة الدراما التاريخية بالغة الأهمية، إذ بوجودها في شكل مناسب للمضمون الدرامي، تحقق للعمل صدقيته التاريخية، وتضع المشاهد في قلب «المناخ» الاجتماعي التاريخي الذي لا مجال للتهاون في صدقية تعبيريته. يبدو الأمر هنا «شكلياً» للوهلة الأولى، لكنه الشكل الذي يخلق مضمونه بل ويساعده على النجاح في الوصول الى المشاهد. مع ذلك، رأينا في مسلسل «عمر» ميزة بالغة الأهمية: حدقة المخرج التي لا أبالغ إذ أصفها بأنها «حدقة موسوعية». ما أعنيه بهذا هو امتلاك المخرج حاتم علي حلولاً إخراجية حيوية أبلغ ما فيها شموليتها واتساعها لحركة المجاميع، كما للقطات الحوارية المباشرة بين ممثلي العمل الرئيسيين. ففي مشاهد «عمر» كلّها ثمة اتساق يحقق تصاعداً درامياً يأخذ المشاهد معه الى متابعة «سرديات» المسلسل، على نحو لا أراه يشبه أية تجربة درامية. أقول ذلك وفي البال أعمال مميزة لحاتم علي شاهدناها خلال العقد السابق ومنها: «صقر قريش»، «التغريبة»، «صلاح الدين»، «ملوك الطوائف» وغيرها. لكن «عمر» جاء في «حلّة» أخرى تماماً. إنها الدراما التلفزيونية وقد امتلكت توازناً في نجاحات مفرداتها بدءاً من كتابة وليد سيف وحتى حدقة المخرج المبدعة من دون أن ننسى فن ناصر جليلي مبدع الديكورات المتميزة في الدراما السورية.