يبدو أن ملف «العاملات» في السعودية، الذي يمر بأزمة خانقة منذ عامين، بحاجة ماسة وفورية إلى الانتقال لعقليات إدارية مختلفة تجيد ابتكار الحلول لا ابتكار التعقيدات، فمن غير المعقول أن دولة بحجم المملكة لم يعد من الممكن أن تحصل أسرة فيها على عاملة منزلية إلا من دولة واحدة هي «أثيوبيا»، وبعد 100 يوم من الانتظار في أفضل الأحوال، وبأسعار استقدام تفوق ضعفي أسعار الاستقدام في دول الخليج القريبة؟! أسئلة كثيرة يمكنها الكشف عن مدى التخبط الإداري الذي تسبب في هذه الأزمة، أولها لماذا لا تعترض جيراننا في الدول المجاورة الإشكاليات نفسها التي تعترض الأسر السعودية التي تبحث عن عاملات منزليات فلا تجدهن إلا في السوق السوداء وبأجر شهري يصل إلى ثلاثة آلاف ريال لكل عاملة مع المخاطر الأمنية كافة المترتبة على ذلك، بينما يتمكن بعض السعوديين الذين يعيشون في محافظات حدودية ك«حفر الباطن» مثلاً من استقدام عاملات من كثير من الدول عن طريق مكاتب الاستقدام الكويتية برسوم استقدام لا تتجاوز خمسة آلاف ريال، وأجر شهري للعاملة لا يتجاوز 700 ريال؟! أليس هذا كافياً لإيضاح أن الأيدي التي تدير ملف أزمة العاملات في السعودية هي ذاتها الأزمة الحقيقية، وهو ما يطرح سؤالاً مشروعاً عن إن كانت هناك جهات أو أفراد تحقق لهم هذه الأزمة فائدة من أي نوع كان، وهذا ليس اتهاماً لأحد بقدر ما هو تساؤل يبحث عن إجابة تبين واقع هذه الأزمة على حقيقته. قبل أشهر سعت جهات حكومية عدة، على رأسها وزارة التجارة ووزارة العمل، لتسهيل تأسيس شركات برؤوس أموال كبيرة لاستقدام العمالة من الخارج، دمجت فيها عشرات مكاتب الاستقدام القائمة بدعوى أن ذلك سيحل الأزمة، وأن الشركات الجديدة ستعمل على استقدام آلاف العاملات المنزليات وتأجير خدماتهن للأسر السعودية بمبالغ معقولة، بدلاً من أن تتكبد هذه الأسر عناء الاستقدام بمبالغ طائلة في ظل الأزمة القائمة، وبالفعل بدأت أولى تلك الشركات في ممارسة مهامها ،ليتفاجأ السعوديون الذين تقدموا لها بأن أسعار خدمات هذه الشركات «في المجمل» لا تختلف كثيراً عن أسعار السوق السوداء، والمثير للضحك في إطار «شر البلية ما يضحك» أن هذه الشركات ليس لديها «حالياً» إمكان استقدام عاملات منزليات إلا من دولة واحدة هي «أثيوبيا»، كما يلزم المتقدم أن ينتظر ثلاثة أشهر على الأقل حتى تصل إلى منزله العاملة المطلوبة. إن لسان حال الأسر المحتاجة للعمالة المنزلية في السعودية يقول بكل اختصار: يا سادة يا كرام، يا من تديرون ملف العمالة المنزلية في بلادنا منذ سنوات حتى تسببتم في هذه الأزمة التي لم تصب مختلف الدول من حولنا، ارفعوا أيديكم عن هذا الملف، فإدارتكم في الواقع هي أم المشكلات والأزمات المتراكمة. من جانب آخر لابد لهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» العمل الجاد على التأكد من عدم وجود جهات مستفيدة بشكل أو بآخر من تعقيد ومنع استقدام العمالة المنزلية من مختلف الجنسيات، فاختلاق هذه الأزمة لإنعاش سوق أخرى تبتز المواطن المحتاج والمجبر بشكل تترتب عليه مخاطر أمنية ومخالفات كبيرة للأنظمة، أمر ليس من المنطق أبداً السكوت عنه. [email protected] Hani_Dh@