كتابان ومجلة. «تاريخ العالم في 12 خريطة» من تأليف البروفسور جيري بروتون، أستاذ دراسات النهضة (الاوروبية) في جامعة لندن، مهم وجميل ومفيد، وكنت طلبته وأنا أدرك أنه يتجاوز معارفي المحدودة في علم الخرائط ورسمها، ولكن قدَّرتُ أنه سيضم العالِم الشريف الإدريسي، ولم يخب ظني، فالصفحات عنه وآخرين من علماء العرب تركتني مرة أخرى أفكر «وين كنا ووين صرنا». بطليموس كان من السبّاقين، وهو حدَّد حوالى ثمانية آلاف موقع معروف حول العالم، وجاء الخوارزمي فخفض طول البحر الأبيض المتوسط من 62 خط عرض عند بطليموس الى 52 خطاً، وتبعهما الأندلسي إبراهيم بن يحيي الزرقالي، فوضع إسطرلاب عام لجميع خطوط العرض، وأنزل رقم المتوسط الى 42 خطاً، وهو الصحيح. الإدريسي تجول في العالم المعروف في حينه، واستقر عند روجار، أو روجر الثاني، ملك صقلية، وكان هذا متنوراً، فكلَّف العالِم العربي أن يضع له خرائط للعالم، وأوضح الإدريسي في «كتاب الترسيم» خطوطَ العرض والطول، وألف الكتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، وكان مجموع الخرائط في الكتاب، المعروف باسم «كتاب روجار» أو «الكتاب الروجري»، 71 خريطة جزئية وخريطة كاملة للعالم، يظهر فيها بوضوح حوض البحر الأبيض المتوسط وإنما مقلوباً عما نعرف اليوم. أتمنى على القارئ القادر قراءة هذا الكتاب، وطلب تحقيق قديم عن الموضوع نفسه نشرته مجلة «عالم ارامكو» في عدد الشهرين السابع والثامن من سنة 2009. ومن كتاب الى كتاب. هل هند خليفات أظرف امرأة في الأردن؟ لا أجزم بذلك، ولكن أقول إنها خفيفة الدم جداً، وكتابها «نسوان 1⁄2 com» يعالج قضايا للمرأة الأردنية والعربية مهمة وجدية، ولكن بمرح يجعل قبول أفكار البدوية المزعومة ممكناً. هند مؤلفة وكاتبة مقال ولها نشاط تلفزيوني، وهي في كتابها تتحدث عن جينات البداوة فيها، بداوة الطبع، بداوة النزق الجامح، بداوة الإحساس بالزمن، وتريد أن تغير حياتها لتصبح مثقفة نمطية تحضر معارض وتزور غاليريهات، وتسأل في النهاية «مَنْ يخلصني من هذه البدوية؟». لا أعتقد أنها تريد، وأرجِّح أنها لن تستطيع لو حاولَتْ، والمقالات تعكس ثقافة واسعة وحسن اطلاع على أمور الدنيا، ثم نجد البداوة وهي تنصح بنات جنسها في التعامل مع الرجل: أحبيه حب الضرّة لضرتها، وانسيه كما تنسين رشة ملح على الطبيخ، وأعمي ضوّه بالعيال، ونضّفي جيوبه قبل قلبه «أول بأول». هند خليفات عندها جرأة على اللغة وتنتقل بسهولة من الفصحى الى العاميّة البدوية الأردنية، وتقول إن دعوات النساء على أزواجهن لا تتحقق، لأنها ليست من القلب، وإنما «فش خلق»، كما فهمت، وتسجِّل منها: تجيك موجة تقشَّك، و: ربنا يريحنا منك على أهون سبب، و: يجيبوه محمول، و: ريتو أبو مرزاق. غير أنها تُنصف الرجل في مقال آخر وتعترف بأن وراء كل رجل مديون امرأة، ووراء كل رجل «مجلوط» امرأة، ووراء كل الرجال المجانين قبيلة نساء. الجرأة على اللغة تجعل القارئ يجد أن عنوان مقال «سكايب يا دموع العين سكايب» عن عروسين أستراليين علقا في مطار فتزوجا عن طريق الهاتف المرئي «سكايب» بحضور أصدقائهما على بعد ألوف الأميال. وهي تتصور عروسين أردنيين يواجهان الوضع نفسه و «البوز خمسة إنش ونصف إنش» والعروس تنعى بختها وتقول «من أولها مبيّنة،» والعريس يقول «هاظ من فال وجهك». «نسوان 1⁄2 com» كتاب خفيف الظل وقراءته تشيل الهم عن القلب. وأريد قبل أن يضيق بنا المجال أن أحتفل بمرور سنة على صدور مجلة «الحصاد» في لندن، وهي شهرية سياسية ثقافية يرأس تحريرها الزميل حافظ محفوظ، وأشكره لأنه لم يستشرني قبل بدء مغامرته، لأنني كنت حتماً سأنصحه بالعدول عنها فنحن نبيع الأخبار في سوق الكساد، وهناك ضغوط إعلانية كبيرة، ما يجعل فتح مطعم فلافل و «شيشة» مشروعاً اقتصادياً منطقياً بالمقارنة. لن أقول أكثر من أن «الحصاد» مهنية موضوعية، وكنت أتمنى لو أن القراء قرأوا مثلي تحليل معن بشور، رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، عن تعامل القوميين مع صعود الإسلاميين، أو «الخليج العربي: هواجس الأمن» للزميل محمد قواص. وسعدت شخصياً، بحكم دراستي الأدب بقراءة التحقيق: «الذكرى المئوية الأولى لولادة سعيد عقل، تجمع الشعر والموسيقى والكلمة في تحية شاعر لبنان إن حكى»، وهي الذكرى المئوية الأولى لشاعر في حياته. أقول إن «الحصاد» تعويض لنا جميعاً عن مجلات عربية ملأت السمع والبصر يوماً ثم انطفأت، وجاء الآن مَنْ يملأ الساحة بعدها. [email protected]