دخلت التظاهرات الشبابية اليمنية طوراً جديداً وباتت تشكل سلاحاً سياسياً في ما يسمى الحرب الباردة بين الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح. ويتساءل البعض عما إذا كانت التظاهرات المستمرة منذ ما يزيد على 18 شهراً، ستؤدي إلى تأسيس مرحلة جديدة من العمل السياسي السلمي تقطع مع إرث العنف السياسي. وكان توقيع خطة سلام اقترحتها دول الخليج ورعتها الأممالمتحدة، ما حال دون انزلاق البلد إلى حرب أهلية، قوبل بإشادة عربية ودولية وذهب البعض إلى وصف الاتفاق بأنه تجسيد لحكمة اليمنيين. بيد أن ثمة من يشكك في هذا «التبسيط»، مرجعاً توقيع الاتفاق إلى حالة التكافؤ في القوة وعدم وجود أطراف خارجية داعمة لأي من أطراف الصراع أكثر منه نتاجاً لثقافة سياسية اجتماعية عامة تجنح إلى السلم والحوار. ويرى الناشط المستقل لؤي حميد (30 سنة) أن «جميع القوى السياسية اليمنية كانت ولا تزال في العمق قاعدية»، نسبة إلى تنظيم القاعدة الذي يقر علناً باستخدام العنف ويدعو إليه. وبحسب حميد فان ما يميز الحال اليمنية عن الحال السورية لجهة درجة العنف، لا يعود إلى «حكمة يمنية مزعومة بل إلى وقوع أطراف الصراع المحلي تحت تأثير طرف خارجي ممثلاً بدول الخليج والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي». وأثارت تظاهرة حاشدة شهدتها صنعاء الأسبوع الماضي وسارت بالقرب من منزل الرئيس السابق حفيظة حزب «المؤتمر الشعبي» الذي يرأسه صالح. ووصف المؤتمر التظاهرة بالاستفزازية وهي جاءت غداة تصريحات للرئيس التوافقي لمّح فيها إلى محاولة «القوى القديمة» عرقلة مسار التسوية السياسية. والحق أن التظاهرات أصبحت أداة رئيسة تستخدمها مختلف القوى السياسية في صراعاتها ولغرض استعراض قوتها. ويرشح من التظاهرات الحاشدة التي نظمها أخيراً الحزب الاشتراكي اليمني تنديداً بمحاولة اغتيال أمينه العام ياسين سعيد نعمان، وجود أهداف سياسية تتجاوز مطلب التنديد إلى التعبير عن حضور سياسي. وفي الأسبوع الماضي نظم عسكريون محسوبون على الرئيس السابق اعتصاماً أمام كلية القيادة والأركان تنديداً بما سمّوه إقصاء تمثل برفض قبولهم في الكلية. ويمثل الشباب قوام التظاهرات ووقودها بيد أن ذلك لم يسفر حتى الآن عن تبلور وعي سياسي شبابي يجسد حقيقة مفاهيم الديموقراطية ومنها التعايش الاجتماعي والتسامح والحوار. يتزامن هذا مع استمرار انتشار المظاهر المسلحة وإن لم تسجل حوادث قتال قياساً بالعام الماضي. وترى الناشطة في ساحة التغيير ماجدة الحداد أن للتظاهرات دوراً مؤثراً في الرأي العام والضغط على السلطات. وتتوقع الحداد أن تسهم التظاهرات في تأسيس ثقافة سياسية جديدة بعيدة من العنف «شريطة أن تكون هذه مدروسة ومنظمة وذات أهداف واضحة تنأى بها عن العشوائية». وتستدل الحداد باعتصام نظمته قريبة لها هي الناشطة وهيبة الحداد التي نصبت في 2009 ما يعتبر أول خيمة احتجاج تقام أمام جامعة صنعاء - كلية الآداب احتجاجاً على تدني رواتب أساتذة الجامعة المتوفين. وكان من ثمار ذلك الاعتصام الذي شاركت فيه أرامل الأساتذة المتوفين أن استجابت إدارة الجامعة لمطالب المعتصمات بحيث رفعت راتب الجامعي المتوفي من 60 ألفاً إلى 170 ألف ريال. وكانت الثورة الشبابية اليمنية لقيت في شهورها الأولى، إطراء لجهة تخلي شباب القبائل عن السلاح وانخراطهم في ميادين الاعتصام والتظاهر السلمي. بيد أن ذلك لم يدم طويلاً إذ سرعان ما ترافق التظاهر بقتال دام بين القوات النظامية والقوات العسكرية والقبلية المنشقة. وترى الحداد أن التظاهر قد يكون بديلاً من العنف السياسي في مجتمعات متعلمة تمارس حريتها في ظل أنظمة ديموقراطية حقيقية. أما في حال اليمن فالتظاهر بحسب رأيها يعد «خطوة جبارة لا يستهان بها لكنه لن يحول دون ممارسة العنف السياسي أو يكون بديلاً له على المدى القريب». ويرى لؤي حميد في اتهام بعض شباب الساحات قناة «يمن شباب» بالخيانة بسبب استضافتها إعلامية موالية للرئيس السابق في برنامج حواري، نموذجاً لمآزق الحركة الثورية اليمنية وعجزها عن تمثل ثقافة الاختلاف والقبول بالرأي الآخر.