تحول أول لقاء تنظمه الحكومة اليمنية للتواصل مع الشباب تمهيداً لإشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني فوضى عارمة واشتباكاً بالأيدي وتقاذفاً بالتهم والأحذية ما يشير إلى استمرار حال التخبط والارتباك في أوساط الشباب، من جهة، وسوء التفاهم بينهم وبين الحكومة التي يتهمونها بلعب دور الوصي عليهم، من جهة ثانية. وكانت لجنة الاتصال الحكومية المكلفة التواصل مع الشباب تمهيداً لإشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني الذي تنص عليه خطة سلام خليجية رعتها الأممالمتحدة للحيلولة دون انزلاق البلد إلى حرب أهلية نظمت الأسبوع الماضي لقاء تمهيدياً حضره رئيس الحكومة وسفير الاتحاد الأوروبي في صنعاء. لكن اللقاء تحول فوضى عارمة وتلاسناً واشتباكاً بالأيدي بين شبان مؤيدين للثورة وآخرين موالين للنظام السابق اثر مطالبة إحدى الناشطات بمحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين. في تلك الأثناء كان عشرات الشبان من الجنسين، معظمهم من المستقلين الناشطين في الساحات، يتظاهرون أمام مقر انعقاد اللقاء، احتجاجاً على عدم دعوتهم إلى المشاركة في وقت تردد أن ناشطة قذفت شرطياً بفردة حذاء اثر ما نقل عنه من ألفاظ نابية بحق ناشطات. وإذ أكدت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية السلمية رفضها أي حوار» لا يفرق بين من كانوا مع التغيير ومن وقفوا ضده وبين من اتخذوا السلمية سلاحاً ومن انتهجوا العنف»، اعتبرت أن أي تعامل مع « شباب الثورة» من هذا المنظور هو «التفاف على أهداف الثورة ومطالبها» كما جاء في بيان صادر عنها. ويرشح من تعثر أول لقاء تمهيدي مع الشباب وجود تخبط وضبابية في تعاطي «الجماعات الشبابية الثورية» كما باتت تعرف، مع مفهوم الحوار، في وقت يتساءل مراقبون عن جدوى الحوار الوطني إذا لم يضم مختلف أطراف الصراع ويعترف بهم. ويعد مؤتمر الحوار الوطني الذي تجري الاستعدادات لعقده، حلقة من حلقات العدالة الانتقالية التي تستهدف إجراء مصالحة وطنية بين الفرقاء تبعاً لنصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتمثلان المرجعية القانونية لعملية نقل السلطة ومدتها عامان. وفي حين تشترط الهيئات المعبرة عن ساحات الاحتجاج استبعاد الشباب المناصرين للنظام السابق كشرط لمشاركة «شباب الثورة» في الحوار الوطني المرتقب، قللت مصادر حكومية وثيقة الصلة بلجنة الاتصال مما يحدث مرجحة استئناف التواصل مع الشباب في شكل يؤدي في النهاية إلى مشاركتهم. والواقع أن الجماعات الشبابية، سواء الموالية منها أم المعارضة، محكومة بالتبعية للمكونات الحزبية التقليدية في الحكم والمعارضة وأخفقت في إيجاد دور لها في مختلف محطات التفاوض باستثناء تقديمها التضحيات حيث قضى عشرات الشبان الناشطين بينما كانت المفاوضات جارية بين النظام السابق والمعارضة. وعلى رغم إدراك القيادات الشبابية في الساحات أن الأوضاع تتجه إلى تفاوض سياسي إلا أنها ظلت تدفع باتجاه تحريك مسيرات وتدعو إلى الزحف إلى القصر الرئاسي ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى من المتظاهرين الأبرياء. وما لبث أن اتسعت رقعة التشرذم الشبابي الثوري في الساحات وبدا أن القيادات الحزبية العتيقة التي يطلق عليها «ديناصورات السياسة اليمنية» تتغذى من هذا التشرذم وتغذيه في آن. وكانت حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت مناصفة من النظام السابق والمعارضة خلت من أي وجوه شابة أو من مستقلين يعبرون عن الحراك الشبابي في الشارع. والمفارقة أن يظهر الساسة «المعتقون» مرونة وتفهماً للحوار والتسامح مع الآخر في وقت يبدو الشباب اكثر دوغمائية وإقصاء ويرشح من حديث بعض الشبان إقرارهم بعدم استقرارهم على اتفاق وتخبطهم في اتخاذ قرار موحد ناهيك بتوصلهم إلى إيجاد قيادة شبابية فاعلة. وكانت لجنة الاتصال وضعت معايير أساسية لكيفية إشراك الشباب في مؤتمر الحوار الوطني من خلال اختيار ممثلين عن مكونات وائتلافات شبابية فاعلة في الساحة على ألا يقل عدد أعضاء الكيان عن 500 عضو مع إمكان دمج المكونات الصغيرة في كيانات اكبر لتستوفي هذا الشرط وأن تكون ساهمت بما لا يقل عن 10 نشاطات في المجالات السياسية والحقوقية المدنية وأن يتراوح سن الأعضاء بين 18 و40 سنة. ومن المقرر أن تشارك في مؤتمر الحوار الوطني جماعات سياسية ومذهبية مختلفة بينها الحوثيون ( الذراع العسكرية للأحزاب الشيعية) بالإضافة إلى حزب الرئيس السابق والحراك الجنوبي وأحزاب اللقاء المشترك. ويدور جدل في أوساط المستقلين حول التمثيل الحزبي المزدوج، خصوصاً أن معظم الائتلافات الشبابية المتشكلة في الساحات هي حزبية بامتياز أو تهيمن عليها أحزاب. وكانت الانتفاضة الشعبية التي سعت إلى محاكاة انتفاضتين شعبيتين أطاحتا رئيسي تونس ومصر وصلت إلى طريق مسدود بعدما انقسم الجيش اليمني ما بين موال للرئيس السابق ومؤيد للحركة الاحتجاجية المطالبة بإسقاط النظام. ووفقاً للمبادرة الخليجية الموقعة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حصل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على حصانة من الملاحقة القانونية تشمل الذين عملوا معه طوال فترة حكمه التي استمرت 33 سنة وهو ما ترى فيه أسر الضحايا غبناً كبيراً يحول دون إنقاذ العدالة. ويأمل اليمنيون بأن يؤدي مؤتمر الحوار الوطني إلى إخراج البلد من حلقة العنف وحال اللا دولة التي كرستها على مدى ما يزيد عن نصف قرن سلطة العسكر والقبيلة ورجال الدين. بيد أن تحديات عدة تقف أمام تحقيق هدف الدولة المدنية المنشودة أبرزها مدى قدرة اليمنيين على التوصل إلى اتفاق لتفكيك سلاح الجماعات السياسية والمذهبية مثل تنظيم «القاعدة» والحوثيين الشيعة الذين يسيطرون على محافظة صعدة وبعض الجماعات السلفية وفصائل في الحراك الجنوبي اضافة إلى إعادة هيكلة الجيش الموزعة وحداته بين أقارب الرئيس السابق وخصومه المنتمين إلى عشيرته أي قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية التي ظلت على مدى مايزيد عن نصف قرن، تمثل رافعة رئيسة في تصعيد الرؤساء وإسقاطهم في شمال اليمن.