في الوقت الذي أصبحت التقنية القوة الكبرى المسيطرة على العالم، وأضحت وسائل التواصل الاجتماعي بفضل الطفرة التقنية «معول هدم» لعلاقات واقعية كثيرة، اضطر أعيان أسر في السعودية إلى البحث عن حلول تجمعهم مع أقاربهم الذين يعيشون معظم أوقاتهم على شاشات الهواتف النقالة من موقع إلى آخر. وتقول حسناء العبدالله (53 سنة): «بعد أن شاهدنا أبناءنا يجلسون معنا بأجسادهم فيما أفكارهم بعيدة منا، وخفنا من أن تخطفهم التقنية منا، فكرنا في التواصل معهم من خلالها، فأنشأنا كروباً (مجموعة) عائلياً، ساهم في لمّ الشمل بعض الشيء، وأصبحنا يحادث بعضنا بعضاً إلكترونياً». وتعتقد ريما سعد (39 سنة) أن غالبية العائلات السعودية أنشأت مجموعات على «واتساب»، «لمحاولة التواصل مع الأبناء، خصوصاً أن لا منزل يخلو من أجهزة عدة». وتحكي غادة المالكي (23 سنة) عن تجربتها مع المجموعات العائلية قائلة: «في البداية كنت أشعر بأن الكروب العائلي ضرب من الجنون، خصوصاً أننا نقطن في بيت واحد، ونجتمع كثيراً في المنزل، غير أنني لاحظت أن إخوتي يحبون مشاركة بعض الرسائل التي تصلهم من أصدقائهم في المجموعة، ما يفتح النقاش ويساهم في تواصلنا في شكل جيد، وينعكس أيضاً على علاقاتنا الواقعية التي ربما اعتراها شيء من الروتين». وتشدد فاطمة سعد (33 سنة) على أهمية المجموعات العائلية في ال «واتساب»، إذ إنها «الوسيلة الوحيدة التي تجمع العائلة تحت سقف واحد في الفضاء الإلكتروني»، وتقول: «أشكر الواتساب لأنه أتاح لي الفرصة أن أكون مع أهلي لحظة بلحظة، وعلى رغم أنني أسكن في مدينة تبعد عنهم حوالى 3 آلاف كيلومتر، أطّلع على كل ما يدور في المنزل بين والدتي ووالدي وأشقائي وشقيقاتي». ويرى خالد الغامدي (29 سنة) أن «ارتباط العائلة بعضها ببعض لا ينبغي أن يكون من خلال الواتساب، بل من خلال وجود أفرادها بعضهم مع بعض في مكان واحد، وتجاذبهم أطراف الحديث»، مؤكداً أن «سماع صوت الأم مثلاً ومشاهدتها على شاشة الجوال لا يغنيان عن الوجود بقربها». ولا تختلف سهى العيد (19 سنة) في الرأي عن خالد كثيراً، إذ تقول: «صحيح أن غالبية الأسر السعودية لديها كروبات واتسابية، لكنها لم تنجح في جذب أفراد الأسرة للتواصل، بل أصبحت أكثر من روتينية، إذ إن محتواها مقتصر على ما يدور في المنزل». ويرى سهل العابد (28 سنة) أن «كثرة المجموعات الواتسابية لا يدل على حب الترابط والتواصل، وإنما هو مجرّد ترف في استخدام التقنية، بدليل أن الشخص الواحد لديه مجموعات عدة، واحدة لأصدقائه وأخرى لزملائه في العمل، وثالثة لزملاء الدراسة، ورابعة للأسرة الصغيرة، وخامسة للقبيلة». ويعتبر أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي الشيخ الدكتور عبدالعزيز الأحمد، أن «هذه الشبكات حين نشأت في البلدان الغربية كانت تعويضاً عن نوع من الانهيار والانفصام بين أفراد الأسرة، وكانت هي الوسيلة الوحيدة لسدّ حاجتهم في التواصل الاجتماعي، فينبغي أن نستغلها بما يفيدنا لا بما يقطعنا، ولا تتسبب في انفصالنا عن أسرنا».