من الجميل أن يتصل الشخص بالعوالم المحيطة من حوله ضمن إطار مجتمعه الداخلي والخارجي، لكن مع تطور وسائل الاتصال التقنية أصبحنا متفوقين في الاتصال للمجتمع الخارجي أكثر من الداخلي المحيط! أصبحنا نكثر السوالف عبر تطبيقات الجوال، ونتحدث بالصوت والصورة، حتى لو كان كل منا في بلد بعيد، نتحدث وكأننا في قرية واحدة. ومجتمعنا الداخلي المحيط، الأسرة والعائلة، أصبحت مفككة الاتصال، ودائماً في كل جلسات واجتماعات العائلة يكاد يكون كل فرد منشغلاً في محادثة مَنْ هم في هاتفه! أصبح الحوار العائلي مفقوداً، و«اللمة» العائلية على وجبات الغذاء والعشاء تفككت، كلنا ينام ويصحو ويأكل وكأنه في عالمه الخاص بمفرده، على الرغم من أننا نعيش سوياً ونتقابل، لكن دون حوار يشبه بالضبط عملية «ظهور دون اتصال!». أعطتنا التقنية تواصلاً مع البعيد وقربت لنا المسافات، لكنها في المقابل أخذت منا القريب وأبعدته عنا! أصبح البعيد هو القريب والقريب بات في منزلة الغريب.. تقنية جميلة لكنها عكست أسس التواصل الاجتماعي، وأهم التواصل ألا وهو التواصل العائلي! يتفاخر بعضنا عند أصدقائه بأن جدته الكبيرة في السن أصبح لديها تطبيق «واتساب»، وكأنه لا يعرف السبب، أن تلك الجدة جلست في وحدتها دون أن يهتم بها أحد أو يتحدث معها، وكلما عاتبت قالوا لها التقنية تطورت يا جدة، إلى أن واكبت الجدة التقنية حتى تستطيع مواكبة العيش وتحصل على أحد يرد الصوت معها! تلك الجدة ليست سعيدة بما تقوم به، لكنها فقدت التواصل المباشر وأرغمت على أن تتواصل من خلال هذه التقنية! الضحية بالفعل ليست تلك الجدة، إنما الضحية من خلال عكس مفاهيم التواصل هم الأطفال وجيل المستقبل، عندما ينعزل منذ نعومة أظفاره ويكون جميع تواصله من خلال جهاز في يده.. بالتأكيد سيعاني كثيراً عندما يكبر من مشكلات نفسية وتربوية واجتماعية! أخيراً، أتساءل: هل التقنية مرض أصاب المجتمع من خلال التواصل؟! أم إن الخلل في المجتمع بعد أن ملَّ و«طفش» من التواصل العادي القريب؟!