كشفت جهود إدارة البحث الجنائي المصرية غموض اختفاء فتاة عثر على جثتها بنهر النيل بمدينة صغيرة في محافظة سوهاج (جنوب مصر)، مكبلة بقيد حديد بالقدمين، ومكممة الفم بإيشارب ولاصق، ولا ترتدي سوى قميص لونه بيج. وقال موقع «بوابة الأهرام» يوم الخميس الماضي: «توصلت التحريات إلى أن الجثة خاصة بفتاة في ال18 من عمرها تدعى «ل.أ.ح»، وباستدعاء والدها تعرف عليها، واعترف أن نجلته اعتادت الغياب عن المنزل، وأنه شك في سلوكها، ما دفعه إلى تقييدها بسلاسل حديد، وتكميم فمها، وإلقائها بنهر النيل، متخلصاً منها ومن سلوكها». انتهى الخبر! فتاة تقيد وتلقى في مياه النيل مكبلة ومكممة الفم لمجرد شكوك! وأسهل الطرق للتخلص من الشكوك هو إخراس الصوت، وإخراس من تسبب فيه، وليس سؤالها وليس التقرب منها لمعرفه أين تذهب ولماذا تتغيب عن المنزل؟ يعتقد الأب - الذي لا يستحق هذا اللقب - أن القتل أسهل من السؤال ومن التأكد! يعتقد المذكور أن من حقه قتل نفس بريئة أو حتى مذنبة بيديه لأنها تابعة له؟ هو يعتقد أن روحها ملك له، وأن جسدها ملكية خاصة من السهل إغراقها، وأنها إن أخطأت تستحق القتل والإحراق والإغراق والتكميم للتخلص من هذا العار المبني على الشكوك بيديه، وليس بطريق الجهات الأمنية والمسؤولة عن التحقيق والتثبت.. في أي قرن نعيش نحن الآن؟ هل يستطيع أحد ما إجابتي؟ هل عادت الجاهلية الأولى أيام وأد الفتيات؟ هل عادت بحلة جديدة بيد ذكور لا يليق عليهم مسمى «رجال مسؤولون عن زهور» جاؤوا إلى الحياة عن طريقهم، ليرعوها وليس لوأدها، ليسهلوا معيشتها ويكرموها، ليقوّموها إن أخطأت ويساعدوها لتعود إلى الطريق الصحيح! ولكن هل يبنى كل ما سبق على شكوك تعشش في عقول مريضة؟ الأسبوع الماضي قام أخ بنحر شقيقته الكبرى أمام رضيعها في إحدى المدن السعودية، وتسابق المعلقون ليضعوا تعليقاتهم المريضة: «ما قتلها إلا إنه شاف منها شيء»، «سودت وجهه الله يسود وجهها دنيا وآخره»، لم أشاهد تعليقاً واحداً على الخبر المحزن، يفترض أن الأخ مريض، أو يفترض أن تفكيره العقيم جعله يرى الأنثى عاراً يجب غسله، وأن أي تصرف منها يستوجب قتلها نحراً بيده هو، ليرفع رأيه الشرف والعفة. 227 تعليقاً كلها أشادت بفعلته وصنيعه، وأشادت بحرمان رضيع من صدر أمه. الجميع متيقن ومتأكد ومقتنع أن الأنثى لا تقتل إلا من فعل فعلته، والجميع يتجاهل كم محرماً اعتدى على محارمه، ومن أجل إخراس صوتهم وقتلهم والادعاء ببساطة أن أفعالهن متعلقة بالشرف الذي لا يعرفه، ولذلك رفع رايته المدنسة بنفسه، من منا سأل نفسه أين الحقيقة؟ الحقيقة التي أراها أن الجاهلية عادت مرتدية حلة جديدة يسهل تصديقها بكل أسف، بل بكل أسى! [email protected] s_almashhady@