يبدو أن لعنة نجاح الرئيس المصري محمد مرسي تلاحق التيارات السياسية اليسارية والليبرالية المتعجلة القيام بثورة ضد جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة، من دون تفكير معلن أو تجهيز مسبق أو حتى منطق مقبول. يوم الجمعة الماضي تفجرت ثورة حقيقية لكنها لم تكن في الشارع استجابة لدعوات نائب مجلس الشعب المنحل السيد محمد أبو حامد، بل كانت في دوائر الحوار الشعبي والمجتمعي. وتوالت الأسئلة: هل نجاح التظاهرة يقاس بالضرورة عددياً؟ هل آن أوان معارضة الرئيس والمطالبة بإسقاطه؟ هل هذه تظاهرة بالمعنى المعروف؟ وظلت الأسئلة من دون إجابات باستثناء إجابة واحدة ظلت وضوح الشمس وهي أن نبض الشارع المصري غير جاهز لتظاهرات حالياً. وقد يكون ذلك بسبب إنهاك واضح، أو ملل ظاهر، أو حتى رغبة في إعطاء النظام الجديد فرصة ليثبت نجاحاً أو فشلاً. ومع موجة الإعجاب الشديدة المشوبة بعنصر إبهار دراماتيكي جراء كلمة مرسي أمام مؤتمر دول عدم الانحياز، يضع المشاركون في تظاهرات اليوم أيديهم على قلوبهم خوفاً من تحولها إلى مثار سخرية كما حدث الأسبوع الماضي. فتواتر النكات عن متظاهري 24 و25 الجاري الذين «ركبوا سيارة أجرة وانصرفوا» أو «الذين أكسبوا ثورة 24 أغسطس اسمها بسبب عددهم البالغ 24 متظاهراً» وغيرهما وضع كل ما هو غير إخواني في موقف حرج. فقد أمطر المارة آذان المتظاهرين المتجمعين أمام قصر «الاتحادية» في حي مصر الجديدة يوم الجمعة الماضي بالكثير من عبارات اللوم والعتاب. وبين «الفاضي يعمل تظاهرة» و «أعطوا الرجل فرصة ليعمل ثم حاسبوه» و «لقد مللنا من التظاهرات وتعبنا، ارحمونا» شعر كثيرون أن الشارع بأطيافه الداعمة لجماعة «الإخوان» والمعارضة لها غير مهيأ لتظاهرات في هذا التوقيت. وزاد طين فشل تظاهرات الجمعة الماضية بلة زهو جماعة «الإخوان» وأنصارها بالكلمة القوية التي ألقاها مرسي في مؤتمر عدم الانحياز والتعامل الإخواني معها باعتبارها نصراً مبيناً وفتحاً أكيداً، وهو ما يسطر تقلص المشاركة الشعبية في تظاهرات اليوم. فهناك من وصفها ب «التظاهر اللاإرادي» ومنهم من نعتها ب «المراهقة التظاهرية»، وهناك من يستعد لمتابعة المشهد اليوم لإطلاق العنان للسخرية والنكات كما فعلوا في تظاهرات الأسبوع الماضي. لكن المؤكد هو الاختلاف الكامل للزخم الشعبي الذي ظل يتزامن طيلة الأشهر التي تلت ثورة يناير 2011 والتي شهدت عدداً قياسياً في جماعات التظاهرات، بين «تحديد المصير» و «الغضب الثانية» و «الغضب الثالثة» و «لم الشمل» و «قندهار» و «مدنية الدولة» وغيرها، وهو الزخم الذي لم يكن بالضرورة مؤيداً لتظاهرة أو مندداً لها، بقدر ما كان متفاعلاً معها، ملماً بالقائمين عليها ولديه ما يدلو بدلوه في أهدافها ونتائجها. أبرز نتائج الدعوة لتظاهرة اليوم خطط استباقية لسائقي سيارات الأجرة بعدم الاقتراب من شوارع وسط القاهرة حيث يتوقع أن يلتقي جانب من المتظاهرين في شارع طلعت حرب. من جهتهم، يعيد باعة وسط القاهرة الجوالون (قطاع الأغذية والمشروبات) تنظيم صفوفهم التي بعثرتها انتهاء فعاليات ميدان التحرير التظاهرية الليبرالية ومن بعدها الإسلامية، وذلك لإمداد المتظاهرين بالمثلجات والسندوتشات على رغم أنف الجهود الحكومية لإزالتهم عن الطرق. أحد باعة المياه الغازية الذي هجر صينية ميدان التحرير بعد توقف رحلات أنصار الإخوان لنصرة قرارات الجماعة في الميدان، والذي اضطر لنقل نشاطه إلى كورنيش النيل لخدمة العشاق الذين لوعتهم نيران الحب وأشعة الشمس الحارقة، أكد أنه سيكون في قلب تظاهرة اليوم من الصباح الباكر، داعياً الله أن يستمر الحراك السياسي المصري، سواء كان ليبرالياً أو إسلامياً، لا سيما أن حراك العشاق على كورنيش النيل لا يؤمن لقمة العيش.