تتعدد الأساليب السينمائية والاتجاهات الفنية فيها من أجل محاولة خلق الفرجة السينمائية وتحقيق الإمتاع البسيط المعتمد على خلق لعبة التناقض بين الشخصيات المتواجدة في الفيلم من جهة والأحداث المتلاقية اعتماداً على الصدف، بغية خلق المفارقات والتعارض غير المتكافئ لإثارة الضحك من جهة أخرى في التواكب مع المساعي للبحث عن الآليات الجمالية الفنية التي تنبني على سيناريو محكم وتسلسل درامي متكامل يراعي خصوصية التنامي في عملية تطور الأحداث وإيلائها الاهتمام الملائم لها. والهدف هو دائماً، تقديم فيلم سينمائي متكامل لا يسعى إلى الترفيه فحسب بل إلى عملية التثقيف الفكري والجمالي معاً. وبين هذا النوع وذاك، توجد اتجاهات سينمائية أخرى منها ما هو تأليفي يسير في اتجاه التخييل الذاتي النخبوي، ومنها ما هو جماهيري يسعى لتحقيق متعة فرجوية بسيطة ترضي غالبية الناس وتمنحهم سينما في المتناول على مستوى التلقي العام. هذه الأنواع من السينما توجد في مختلف أنحاء العالم، وهي التي تمنح حتى للفعل السينمائي في حد ذاته ذلك الوهج الفني المتكامل، إذ بهذا التضاد والاختلاف بين هذه الأنواع يتحقق التقدم السينمائي وتنتعش القاعات السينمائية ويرضى الجمهور العاشق للسينما بمختلف فئاته. في المغرب بدأ هذا الأمر يتحقق بشكل أكبر في السنوات الأخيرة إذ برزت اتجاهات سينمائية متعددة تتراوح بين اتجاه تأليفي شاعري لا يزال قليل الإنتاج يظهر بالخصوص في سينما جيلالي فرحاتي وحكيم بلعباس مثلاً، وآخر توفيقي يجمع بين الرغبة في خلق التميز والمحافظة على التوابل السينمائية التي تغري الجمهور من صراع درامي بسيط والاقتراب من مشاكل الحياة اليومية، ويتجلى هذا الاتجاه عند مخرجين مثل حكيم النوري وعبد الحي العراقي على سبيل المثال. وثمة إلى هذا وذاك، اتجاه آخر سينمائي همّه الفرجة ويعتمد على الكوميديا التي تجمع بين كل عناصر الإضحاك المعتمدة على خلق المفارقات البسيطة والقريبة من متناول الجمهور. وهذا الاتجاه هو الذي يحقق الآن نجاحاً جماهيرياً كبيراً سواء من حيث الحضور في القاعات السينمائية أو حتى في المهرجانات السينمائية التي يكون فيها وإن لم يحظ كما هي العادة بأي جوائز منها، وهذا الاتجاه يتجلى في مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية التي راهنت على شباك التذاكر. ومن بين المخرجين السينمائيين الذين يمثلون هذا الاتجاه السينمائي في المغرب سعيد الناصري الذي منح لهذا الاتجاه السينمائي الجماهيري قوة الحضور ومده بالإشعاع وبالحضور القويين. فقد حققت الأفلام التي قدمها الناصري في هذا الصدد إقبالاً كبيراً. نذكر منها بالخصوص فيلم «البانضية» و «الخطاف». كما أن فيلمه الأخير «مروكي في باريس» (مغربي في باريس) استطاع تحقيق نجاح جماهيري كبير هو الآخر، على رغم أن معظم حواراته أتت باللغة الفرنسية كما أن نصف الممثلين المشاركين فيه أو أكثر هم ممثلون فرنسيون. وهو استطاع أن يخلق فرجة سينمائية متكاملة للجمهور العادي ويدفع به بالتالي إلى السعي لمشاهدته وهو يعرض في القاعات السينمائية المغربية. وهذا أمر مهم لا بد من الإقرار به مهما اختلفنا حول قيمة الفيلم من الناحية السينمائية المحضة سواء على مستوى الكتابة السينارية أو الكتابة الإخراجية على حد سواء، أمر جدير بالمتابعة الصحافية الإخبارية والتحليلية وبالمقاربة النقدية الفنية المتأنية أيضاً. أموال الهجرة لم يخرج هذا الفيلم الجديد لسعيد الناصري، عن السياق العام للأفلام السابقة التي قدمها المخرج نفسه، فهو يقدم للمشاهد قصة بسيطة من حيث بناء الموضوع العام الذي يتحدث عن شاب مغربي مهنته ميكانيكي لكنه لا يتوافر على محل للعمل المنتظم، ما دفع به للبحث عن السائقين الذين قد تتعثر بهم سياراتهم في الطريق. وذات يوم يحدث لأحد المهاجرين المغاربة الآتين من فرنسا أن تتعطل سيارته ولا يستطع تشغيلها من جديد إلى أن يحضر هذا الميكانيكي الشاب الذي يحمل اسم نجيب، في إشارة إلى نجابته الفطرية التي ستتجلى معالمها في أحداث الفيلم المتبقية. فما كان من هذا المهاجر المغربي إلا أن يشجعه على الذهاب إلى فرنسا حيث العمل متواجد هناك بكثرة وحيث في استطاعته أن يحصل على الكثير من المال. وهو ما سيفعله نجيب الذي سيهاجر بطريقة غير شرعية إلى فرنسا. في مدينة باريس ستقع له أحداث عدة من رفض زوجة أخيه الفرنسية له، إلى وقوعه في يد عصابة المافيا، إلى محاولته الزواج بإحدى الفرنسيات بغية تسوية وضعيته من دون أن يتحقق له ذلك. وكما العادة دائماً في مثل هذا النوع من الأفلام السينمائية الكوميدية يتحقق في النهاية الانتصار للبطل على كل هذه المصاعب التي حلت به، ما عدا قدرته على البقاء في فرنسا حيث سيتم القبض عليه وإعادته لبلده لعدم توافره على أوراق الإقامة. لكن كل هذه الأحداث على مأساويتها تقدم هنا، في طابع فكاهي خفيف جعل الفيلم مقبولاً لدى الجمهور العادي ويقبل بالتالي عليه. ولكن في شكل أكثر جدية، توجد في الفيلم إشارات إلى التسامح الديني في المغرب، وإلى التضامن العائلي وإلى التآلف وحسن الجوار بين الجيران ومساعدتهم بعضهم بعضاً. وهي أمور تكمل البناء الموضوعي العام لقصة الفيلم. في اختصار يمكن القول إن هذا النوع من الأفلام السينمائية المغربية التي اتجهت صوب الكوميديا وحرصت على إرضاء الجمهور من خلالها وتقديم سينما في متناوله، يعيد طرح السؤال وبإلحاح على النقد السينمائي المغربي الذي يعرف الآن حضوراً قوياً في المشهد الثقافي المغربي العام. إذ بات يجد عليه أن يقدم تصوراً فكرياً حول هذا النوع السينمائي إن إيجاباً أو سلباً، لكن مع الحرص على الموضوعية في الطرح والقدرة على التحليل المنهجي المحكم. وهو أمر بدأت بعض تجلياته الإيجابية تظهر في بعض الدراسات النقدية المتعلقة بالمجال السينمائي لا سيما على يد مجموعة من النقاد المغاربة المتابعين بجدية لمختلف التحولات التي يعرفها المشهد السينمائي المغربي.