افتتحت أمس الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم في طنجة، وتستمر حتى 21 الشهر الجاري، بمشاركة أكثر من 20 فيلماً مغربياً، تتنافس في ما بينها، أهمها «على الحافة» لليلى كيلاني و«رجال احرار» لاسماعيل فروخي و«أياد خشنة» لمحمد العسلي و«حد الدنيا» لحكيم نوري و«مروكي في باريس» لسعيد الناصري و«الأندلس يا الحبيبة» لمحمد نظيف و«عاشقة من الريف» لنرجس النجار و«الموشومة» للحسن زينون و«موت للبيع» لفوزي بن السعيدي و«عودة الابن» لأحمد بولان و«شي غادي شي جاي» لحكيم بلعباس و«أندرومان» لعز العرب العلوي لمحرزي. ومنذ الآن، تبدو مهمة لجنة التحكيم - التي يترأسها المفكر الفرنسي الكبير إدغار موران، وتضم في عضويتها الناقد السينمائي اللبناني الزميل ابراهيم العريس وعضو لجنة صندوق الجنوب للسينما الفرنسي تييري لونوفيل والمدير الفني السابق لمهرجان فريبورغ الدولي للفيلم السويسري مارسيال كنايبيل والصحافية المغربية سناء العاجي والسوسيولوجي المغربي أحمد حرزني والناقد السينمائي المغربي أحمد الفتوح -، غير سهلة، خصوصاً ان السينما المغربية شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً، وتلقى الإعجاب في المهرجانات. هنا بورتريه لرئيس اللجنة الذي كرّس عمره للفكر والمنهج والسينما. فيما يحمل، بخفة مدهشة، أعوامه المتجاوزة التسعين، يبدو المفكر الفرنسي إدغار موران متحملاً هذا العبء الزمني من دون مشقة كبيرة. وهو إذ يحضر لأسبوعين في المغرب اليوم، لا يخفي سروره بالمناسبتين العربيتين اللتين «يعيشهما» حيث، من ناحية يرأس لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان طنجة للفيلم المغربي محاطاً بعدد من النقاد والكتاب والفنانين المغاربة والأجانب، ومن ناحية ثانية ينتظر ب «شوق» كما يقول صدور الترجمة العربية لواحد من اشهر كتبه- «النجوم» الذي كان صدر للمرة الأولى في اواخر خمسينات القرن العشرين ليعتبر رائداً في مجال دراسة علاقة متفرجي الفن السابع بنجوم هذا الفن بصفتهم «اساطير الأزمان الجديدة»-. هذه الترجمة ستصدر خلال الأسابيع المقبلة عن «المنظمة العربية للترجمة» في بيروت، في حلة انيقة بعدما كانت صدرت للمرة الأولى متقشّفة بعض الشيء اوائل ثمانينات القرن العشرين... في المرة الأولى صدرت مقرصنة، أما هذه المرة فتصدر في شكل شرعيّ. وفي هذا ما يبعث السرور والرضى لدى موران... يعتبر إدغار موران اليوم واحداً من كبار المفكرين الفرنسيين وربما احد الأخيرين بين أبناء الجيل الذي صنع للفكر الفرنسي مكانته خلال العقود الأخيرة. ولئن كان يبرز اليوم في المناسبتين العربيتين اللتين نشير اليهما بصفته معنياً بالسينما – في وجه خاص – فإنه من المعروف ان الفن السابع لا يشكل سوى جزء يسير من اهتماماته الفكرية التي تشمل قضية الإعلام والفلسفة والبيئة وعلم الاجتماع وصولاً الى السياسة التي يخوضها من منطلق فكري وإنسانيّ ولا سيما حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. وفي هذا المجال لا يمكن إلا ان نذكر هنا الكثير من البيانات والمواقف التي عبّر فيها عن موقف شديد التأييد للفلسطينيين في ان تكون لهم دولتهم وكيانهم ويتوقف الظلم الواقع عليهم. وفي هذا الإطار، شكل مرجعاً دائماً وأساسياً مقال مشترك كتبه ووقّّعه قبل سنوات مع المفكر الجزائري الفرنسي سامي ناير. وهو مقال اثار في حينه حفيظة كثر من الكتّاب والمفكرين اليمينيين الإسرائيليين وزملائهم من الصهاينة الفرنسيين من الذين «أدهشهم» يومها ذلك الموقف «المعادي لإسرائيل» يصدر عن كاتب يهوديّ الأصل. يومها أمام ذلك الهجوم المتعدد الذي شنّ عليه، اكتفى موران بالابتسام قائلاً: «ولكنني بوذيّ منذ زمن طويل ولم اعد يهودياً!». خلال مساره العلمي والفكري الطويل – نحو ثلثي قرن من الزمن حتى الآن – وضع إدغار موران نحو خمسين كتاباً في مختلف انواع الفكر... ومعظم هذه الكتب جاء تحت ظل فكرة «المنهج» التي لا تبارح وجدانه وفكره. وهي فكرة ترتبط لديه بعلم الاجتماع، لكنه يتجوّل بها في كل ما يكتب ويفكر حيث انه يعتبر نفسه مفكراً تحليلياً منهجياً وعقلانياً اولاً وأخيراً. وفي المجال الذي يعنينا هنا، اي مجال السينما، نجد المنهج نفسه يسود في كتابيه الأساسيين اللذين كرّسهما للفن السابع: كتاب «النجوم» الذي اشرنا اليه والذي ستتاح لقراء العربية قراءته في لغة الضاد بعد أسابيع... ثم وفي شكل خاص كتاب «السينما أو الإنسان المتخيّل» الذي كان مساهمته الأولى في فرع من الفلسفة بات يعرف الآن بفلسفة السينما... والحال ان موران – وحتى قبل ان تصبح فلسفة السينما - او فلسفة الفيلم كما يفضّل الآنغلوساكسون الذين صاروا خلال الربع الأخير من القرن العشرين سادة في هذا المجال الدراسيّ – علماً معترفاً به، كان من اوائل الذين ساهموا برفع مستوى دراسة الفيلم، فكرياً واجتماعياً، الى اعلى مستوى من مستويات العلوم الإنسانية باحثاً عما هو خلف الصورة – في «السينما او الإنسان المتخيّل» - وعما هو خلف النجوم وأسطرتهم من جانب المعجبين – في «النجوم» الذي سيصدر في العربية بعنوان «النجومية» كي لا يخلط القراء بين موضوع دراسته الذي هو نجوم السينما وعلوم الفلك والتنجيم! -. غير ان اسهامات إدغار موران السينمائية لا تتوقف عند هذا الحد. فهذا المفكر المتعدد الاهتمامات، والذي سيفتتح صباح اليوم النشاطات العملية لمهرجان طنجة بمحاضرة عنوانها «في السينما» شارك المخرج الفرنسي الكبير الراحل جان روش في عام 1961 تحقيق الفيلم الشهير «مدوّنات صيف» الذي فاز العام نفسه بجائزة النقاد الكبرى في مهرجان «كان». كما ان في مساره الإبداعي مساهمات وظهوراً في نصف دزينة أخرى من افلام سينمائية وتلفزيونية بعضها فكريّ فيما يتناول بعضها الآخر مساره الحياتي الذي بدأ عام 1921 حين ولد في سالونيك اليونانية آخر العهد العثماني تحت اسم ناعوم لأب يهودي شرقيّ سيضع عنه الإبن واحداً من اجمل كتبه بعد ذلك بأكثر من سبعين سنة.