شكل إقصاء الأكراد عن المؤسسة العسكرية السورية خلال أكثر من نصف قرن خللاً كبيراً أفقدها روح التوازن المفترض توفره في جيشٍ وطني متعدد الأعراق والأجناس والمذاهب، وملقاة على عاتقه مهام وطنية كبيرة تتجسد في تحرير الأجزاء المغتصبة وحماية الشعب، وخسرت طاقات شبابية كانت ستسهم في تعزيز قوة الجيش ومناعته وحمايته من الانحراف والانجرار وراء الطائفية المقيتة. إلا أن الثورة السورية أفرزت جيشين على المستوى الوطني، أحدهما موالٍ للنظام ويملك ترسانة أسلحة، وممولين يغدقون عليه بالسلاح بسخاء، لكنه يتعرض للانشقاق والتصدع يوماً بعد يوم، ويفقد قدراته القتالية سيما اللوجستية منها، والآخر جيش حر يستمد قوته الأساسية من انشقاقات عدوه وفساده ومن دعم خارجي محدود هنا وهناك، إلى جانب هاتين القوتين ولدت قوة ثالثة تسيطر على معظم المناطق الكردية، وتدور حولها لغط كبير من حيث مهامها وطبيعة أهدافها، وتنهال عليها اتهامات عدة من أطرافٍ داخلية وخارجية تحاول تشويهها والنيل من سمعتها ونزاهة مآربها. هذه القوة يجب تسميتها وتعريف هويتها وتوفير وسائل الدعم والمساندة لها لتكون قوة فعالة قادرة اليوم على القيام بمهام التحرر من التسلط والعبودية وتحقيق الأمن والأمان للشعب الكردي في مناطقه، قوة متفاعلة مع الحراك الثوري العام في البلاد لا متصادمة معه بل مكملة له ومتآخية معه ورفيقة له في السلاح مع حفاظها على خصوصيتها الكردية والوطنية، تكون بعيدة عن الميليشياوية الحزبية والتجاذبات الدولية والإقليمية، محافظةً على نفسها كقوة كردية سورية، تستمد قوتها من طاقات المجتمع السوري عموماً والكردي خصوصاً في عموم سورية والمهجر، وفي هذا تكمن الأهمية القصوى، إذ لابد أن تكون القوة الكردية التي تعمل على الأرض وتحافظ على السلم الأهلي والأمن العام في المناطق الكردية منسجمة مع بعضها البعض ومع نفسها شكلاً ومضموناً، في برامجها وشعاراتها الوطنية والقومية لتقطع الطريق أمام المتربصين بالشعب الكردي وعدالة قضيته. وعلى رغم تعدد السيناريوهات المحتملة لتطورات الأزمة السورية وما ستؤول إليها النتائج النهائية، إلا أن الثابت في الأمر أن هذا النظام سيرحل وسيترك وراءه قوى متضادة لا تختلف فقط في القوة والعتاد الحربي بل في الإيمان والمعتقد والهدف، سيكون جمعها في مؤسسة واحدة ليس بالأمر السهل، لكن الحكمة التاريخية تؤكد أن الجراح ستضمد وتلتئم في النهاية وستعقد مصالحات بين الأطراف المتنازعة، وهذا مرهون بقوة السوريين الديموقراطيين وقدرتهم على تجاوز الخلاف والتخلص من الأحقاد الدفينة وال«أنا» الذاتية والمصالح الفئوية الضيقة. ظروف النضال الثوري تحتم على السوريين الأحرار والشرفاء اليوم بعد أن تحررت الكثير من مناطقهم من القبضة الأمنية الانطلاق لتأسيس أرضية وطنية تقام على أعمدتها مؤسسة عسكرية وطنية قوية ومتوازنة ومتماسكة ومنسجمة على مستوى المكون والتوزيع الجغرافي كي تكون في المستقبل القريب لكل السوريين، تحميهم وتدافع عنهم ومتجانسة مع النسيج الاجتماعي السوري المتنوع، ويكون للمكون الكردي دور مهم في إعادة التوازن الداخلي لها على المستوى الوطني، ويفرز في الوقت نفسه حماة لديارهم يحمي مناطقهم ويحافظ على أمنهم ويصون حقوقهم. صحافي كردي سوري