بيتر لوفغرين مخرج تلفزيوني وصحافي، عمل مراسلاً للتلفزيون السويدي في الشرق الأوسط، وأكسبته الاقامة الطويلة في المنطقة خبرة بأوضاعها، مكنته من نسج صلات مهنية متشعبة بقادتها السياسيين، واستثمر صلاته في إعداد برامج وثائقية مهمة حاز بعضها جوائز عالمية. جديده التلفزيوني وثائقي عن القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية جبريل الرجوب، عنوانه «رجل فلسطين القوي». وليبرر التسمية قدم تصوراً لما يراه فيه، فهو بالنسبة اليه ومن خلال معرفته السابقة به، والتي بدأت قبل 16 عاماً حين أجرى معه مقابلة صحافية، هو أحد أقوى المرشحين لرئاسة فلسطين وهو عملياً ومن خلال منصبه كرئيس لإتحاد كرة القدم الفلسطيني، انما يمهد للعودة الى دوره البارز الذي خسره بوصول «حماس» الى السلطة وسيطرتها على قطاع غزة. أجرى لوفغرين مسحاً دقيقاً لحياة الرجوب ولأدواره في كثير من الأحداث والمنعطفات التاريخية التي عاشها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ما شكّل صورة واضحة لطبيعة الرجل وتكوينه، لم تختلف كثيراً عن تلك التي كوّنها في ذهنه بعد مقابلته الأولى والتي أكدت له بأن الرجل الذي لا يبتسم، كما وصفه، يتمتع بقدرات قيادية وسيلعب أدواراً مهمة في المستقبل. فبالنسبة اليه كان الرجوب مثالاً للسياسي الطموح، القاسي والبرغماتي الذي يعرف أهدافه جيداً ويسعى الى تحقيقها بأي شكل من الأشكال! البرنامج الجديد ينطلق من ملعب لكرة القدم، يظهر فيه الرجوب بصحبة سيب بلاتير رئيس الاتحاد الدولي «الفيفا»، وقد استقبلهما الجمهور بحماسة كبيرة. المقابلات التي أجراها لوفغرين مع الجمهور بينت له مدى شعبية الرجل ودوره في تقوية الحركة الرياضية الفلسطينية عبر تأمينه أموالاً كثيرة لها وتأسيسه بنية تحتية، من ملاعب ومستلزمات رياضية وغيرها، ساهمت على حد قول كثر في تطوير الرياضة الفلسطينية، خصوصاً في الضفة الغربية. ترى هل يريد الرجوب استعادة دوره القيادي، الآن، بعد أن ضعف خلال السنوات الأخيرة مع وصول «حماس» وسيطرتها على غزة، من بوابة الكرة؟ هذا السؤال سيدفع الصحافي السويدي للاتصال بشخصيات اسرائيلية وغربية وفلسطينية طبعاً، تعرفه جيداً. تعرف تاريخه الشخصي وطريقة تفكيره وأسلوب عمله. الضابط السابق في الاستخبارات الاسرائيلية (شين بيت) روني شاكيد الذي يعمل صحافياً حراً يقول عن نشاطه: «اعتبر رجوب رئاسة الاتحاد مهمة سياسية مشرفة، بفضلها يتحدث اليوم وفي شكل منتظم مع أكثر قادة العالم تأثيراً، ف»الفيفا» لديها 208 دول أعضاء، أي أكثر من الأعضاء في الأممالمتحدة ورجوب يعرف القوة السياسية للمنظمة الرياضية جيداً. وهي بدورها لا تبخل عليه بدعمها، فاليوم لا توجد قرية في الضفة الغربية بلا ملعب». وبحسب تصوره فالرجوب من القادة الفلسطينيين الأكثر شعبية وقد يحصل على أعلى الاصوات إذا رشح الى انتخابات الرئاسة المقبلة. كلام يثني عليه وكيل الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) ويتلي برونير، اذ يقول: «بالعودة الى تاريخه الشخصي لا أرى شيئاً آخر!». وبعيداً من التخمينات يعود الوثائقي الى أهم محطات تاريخ الرجوب الشخصية بدءاً من طفولته ونشأته في قرية «دورة» ثم انضمامه الى «فتح» واشتراكه في طفولته في الكفاح المسلح ليحكم عليه وهو في سن السابعة عشرة بالسجن المؤبد بناء على تهمة الإرهاب التي وجهتها له المحاكم الاسرائيلية آنذاك. لم يكمل مدة سجنه وخرج في عملية تبادل لأسرى اسرائيليين في لبنان. وبعد بروز دوره كقائد في انتفاضة عام 1987 رحل الى لبنان وهناك تولى مركزاً قيادياً في منظمة التحرير الفلسطينية، وكان مقرباً من ياسر عرفات لدرجة أُطلق عليه لقب «الملك جبريل». بعد لقائه الرئيس الفلسطيني في تونس أوكلت اليه مهمة تأسيس القوة الأمنية الفلسطينية التي ستلعب دوراً مغايراً لأهدافها مع صعود حركة «حماس». تحولت الأجهزة الأمنية، بعد اتفاقات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية وبمباركة أميركية ذراعاً ضاربة للمعارضة الدينية، ووصل الخلاف بين الأخيرة وبين رجوب الى مستوى وصفوه فيه بالجلاد. وعلى حد تعبير الناشط الفلسطيني لحقوق الإنسان بسام عيد: «انه رجل عصابات عذب الفلسطينيين وحوّل سجون الضفة والقطاع الى أمكنة مخيفة لإنتزاع اعترافات نشطاء «حماس» بالقوة». سيضعف هذا الدور، ومع توقف عملية السلام نفسها الرجوب، وسيخسر الانتخابات لصالح منافسه أخيه نايف الرجوب القيادي في «حماس». لكنه ومثل كل سياسي محترف سيحاول استعادة دوره السابق ثانية عبر نشاط حيوي مثل الرياضة، مستغلاً ما تثيره كرة القدم من حماسة قومية، قابلة للإستثمار سياسياً وبسهولة، ما يوفر له قوة دفع هجومية قد يحقق بها أهدافه القريبة: استعادة القوة السياسية التي خسرتها «فتح» واسترجاع مكانته فيها، وربما حتى أكثر من ذلك: الفوز في الإنتخابات الرئاسية إذا رشح لها! هذا بإيجاز جوهر فكرة برنامج لوفغرين «رجل فلسطين القوي». وهو قطعاً قابل للنقاش والدحض لكن المهم في منجزه أنه قدم صورة بانورامية لحياة الرجل وصلتها القوية بالصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، موفّراً عبرها كماً من المعلومات الموثقة قد تشبع جزءاً من فضول مشاهده.