«أنا عراقي... أنا أقرأ» مبادرة أطلقها شباب عراقيون لاستعادة تقاليد القراءة في بلادهم، ومواجهة القطيعة مع الكتاب. وتعتمد المبادرة على أفكار مختلفة لتشجيع الشباب على مصالحة الكتاب، والتوصل إلى قارئ عصري يمكنه التعاطي مع فكرة القراءة بأساليب مجددة. ومن تلك الأفكار ما يستثمر مواقع التواصل الاجتماعي. إذ أطلق القائمون على المبادرة موقعاً على «فايسبوك» يحمل اسمها. ويتولى الموقع، الذي تمكن في أقل من شهرين من استقطاب نحو 3000 عضو - قارئ، نشر كتب إلكترونية بصيغة «بي دي أف»، وتقديم إعلانات عن إصدارات حديثة لمطبوعات عربية وأجنبية. ويمكن من يلج الموقع العثور على قوائم مطولة من عناوين أدبية وتاريخية وعلمية. ويُسهل للعضو فيها الوصول لأشهر المكتبات العالمية. ويطلُ الموقع من نافذة إلكترونية تعرف المبادرة بأنها «تجمّع للقراءة في بغداد... مهمته تعريف العالم بقدرتنا في البدء من جديد... يمكنك المشاركة بأفكار الكتب التي قرأتها، أو اقتباس فقرة من كتاب تحمل فكرة مميزة في نظرك». ويتفاعل أعضاء المبادرة في صفحتها الإلكترونية بعناية ونشاط فائقين، ومنذ صدورها يقومون بنشر مواقع كتب مختلفة، ويضعون عنوان كتاب ما يطلبون من بقية الأعضاء توفيره على الموقع. وسرعان ما يلبي أحدهم الطلب، ولاحقاً يخوض الجميع في نقاش حول مادته وما جاء فيه. ومن الكتب التي نالت اهتماماً كبيراً من قبل أعضاء المبادرة «مهزلة العقل البشري» لعالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي، وكتاب «كافكا على الشاطئ» لهاروكي موراكامي، وكتاب «الإنسان المهدور» لمصطفى حجازي، وكتاب «أسطورة سيزيف» لألبير كامو، و «ديوان الأساطير... الحضارة والسلطة» لأدونيس. وغير نشر الكتب، ثمة إعلانات تحفز على المساهمة والتفاعل، وقد لقي اقتباس عن راي برادبوري رواجاً على صفحات الموقع: «ليس عليك أن تحرق الكتب لتدمر حضارة، فقط اجعل الناس تكف عن قراءتها ويتم ذلك». الإعلامية والشاعرة الشابة صابرين كاظم تقول عن المبادرة: «نحن متطوعون، ليس لدينا هيكل تنظيمي، بمعنى أن الفكرة لن تكون حيوية وقابلة للنمو إلا في حال حافظنا على الرغبة بزيادة رقعة المتلقين الشباب خارج إطار النخبة». يتواصل أعضاء ما بات يعرف بخليةِ «أنا أقرأ» عبر البريد الإلكتروني وشبكة النقال. لا يملكون تمويلاً، ولا مقراً لإدارة مبادرتهم، وهم يرفضون أن يتحقق ذلك... كل ما تحتاجه المبادرة يقومون هُم بتمويلِه. تقول صابرين: «نخشى أن تقوم جهة، في حاجة إلى سمعة ثقافية، برعايتها، فتضيع (الحركة) في جيبها الخلفي، ونقوم نحن بنعيها». خارج موقع المبادرة على «فايسبوك» يتحرك الناشطون الشباب في محاولة لإقامة مهرجان قراءة، يستهدف عينات من شباب لا يقرأون، ولا يهتمون بالكتاب. أول تجمعٍ لما بات يعرف في أوساط الشباب بخلية «أنا أقرأ»، كان في مقهى وسط بغداد؛ بحي الكرادة الأكثر نشاطاً وحضوراً للمثقفين العراقيين وناشطي المجتمع المدني. وقتها عرف المبادرون، أعضاء الخلية الفتية في بغداد، أن عديدها لا بأس به، وأنهم بالإمكان أن يفعلوا شيئاً. ويتبرعُ الناشطون الشباب بما يستطيعون من الكتب، ثُم يعلنونَ عن أمكنة للقراءة، كالحدائقِ والمتنزهات العامة، والأهم من هذا نجاح الخلية في جذب المستهدفين للمشروع : قراء شباب. ويُنتظر من «أنا عراقي... أنا أقرأ» في التاسع والعشرين من أيلول (سبتمبر) المقبل نشاطاً لافتاً من إعلانه الأول: «كتب وقراءة في الهواء الطلق على حدائق شارع أبي نؤاس». ثمة أفكار أخرى يعتقدُ أصحاب مبادرة «أنا أقرأ» أنهم في حاجة إليها لتغيير نسقِ نشاطهم، للحفاظ على ديمومة المشروع، ولتحفيزِ الشباب على القراءة. من بينها أن يتحول الناشطون إلى فرقٍ جوالة في شوارعِ بغداد يوزعون كتباً على سيارات التاكسي، ويضعون علباً خاصةً بالمبادرة، في كُل منها كتاب. يقول عضو المبادرة، الصحافي الشاب مؤيد الطيب، إن الفكرة تعبر عن ضيق نخبة من الناشطين بظاهرة الاستنكاف عن القراءة، وهي محاولة تعتمد التطوع، وتحاول تغيير المناخ «الأمي» في البلاد. يقول الطيب: «كم من الجهد علينا أن نبذل لنتفوق على أنفسنا... لنكسر الإحصاء المؤلم الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي». وكانت دراسة لهذه المؤسسة أفادت بأن معدلَ القراءةِ لدى الفرد العربي لا يتجاوز 6 دقائق سنوياً، في حين أن حصةَ نظيرهِ الأوروبي تبلغُ نحوَ 200 ساعة سنوياً.