جاء مع آلة «السمسمية» الموسيقية إلى القاهرة، ليشعل ليلها طرباً على نغمات حادة، وإيقاع كلمات لم تخل بعد من روح المقاومة الشعبية في ستينات القرن الماضي. هو محمد غالي. شخص بسيط من سكان مدينة بورسعيد الساحلية. والمكان، قاعة إنجي أفلاطون في أتيليه القاهرة... محمد غالي هو أشهر صانعي هذه الآلة في مصر. يعرفه معظم العازفين عليها. ولأنه يخشى على صوتها الشجي من الاندثار والأفول، قرر إنشاء متحف متنقل لها، يحمله على ظهره أينما ذهب، بعدما يئس من تحقيق حلمه بإنشاء متحف يؤرخ لهذه الآلة في بورسعيد. يشرح غالي طريقة صنع آلة السمسمية وبداية علاقته بها، كما يتحدّث العاشق عن محبوبته. فهو يعشقها بجنون على رغم أنه لا يحترف العزف عليها. تمتد علاقته بها - كما يقول - إلى فترة الستينات، حين كان يسمعها عبر المذياع إبان سنوات التهجير عن مدن القناة بعد حرب 1967. كانت هذه الآلة أشبه بحبل السُرّة الذي يربط بين سكان هذه المدن وقتها. ويميز غالي بين السمسمية وآلة أخرى شبيهة بها هي الطنبورة التي تشبهها كثيراً، ولكنها أكبر حجماً وتتميز بصوتها الغليظ. لم تكن هذه المرة الأولى التي يعرض فيها غالي منتج يديه من آلة «السمسمية» على الجمهور، فقد سبق أن قام بالأمر عشرات المرات في مدينته بورسعيد، داخل المراكز الثقافية، بل وفي الشارع. فهو يرى أن الاهتمام بها في تراجع مستمر، ودوره أن يعرّف الناس بهذه الآلة. وهو يصنع «السمسمية» ويشعر في قرارة نفسه أنه يشارك بجزء من مجهوده مع كل عازف يعزف عليها. يقتطع غالي من دخله من أجل الإنفاق على صناعة هذه الآلة، فالإقبال على شرائها، كما يقول، لم يعد كالسابق. لذا لجأ إلى صناعة أشكال صغيرة لها توضع في البيت للزينة، وهي وسيلة لكسب الرزق تعينه على الاستمرار في صناعة هذه الآلة التي ترجع جذورها إلى عهد الفراعنة. «السمسمية» هي آلة وترية تستخدم في منطقة قناة السويس، وأوتارها عبارة عن أسلاك من الصلب الرفيع، تُشدّ بشكل كبير على صندوق خشبي، ويتم العزف بالضرب على هذه الأسلاك. هي آلة موسيقية شعبية ذات خمسة أوتار وتتبع موسيقاها السلّم الخماسي. وربما يعود أصل آلة السمسمية إلى آلة الكنارة الفرعونية، وهي آلة تشبه إلى حد كبير آلة «الهارب» الحالية، إلا أنها أصغر حجماً، وفيها سبعة أوتار مصنوعة من أمعاء حيوانية. وصلت «السمسمية» إلى مدن القناة من طريق أهل صعيد مصر النوبيين الذين عملوا في حفر قناة السويس، وتطورت إلى آلة الطنبور النوبية الحالية. وهي عبارة عن علبة من الخشب أو قصعة أو طبق صاج مشدود عليه جلد رقيق. ولها ذراعان متباعدان يسميان «المداد»، تربطهما ذراع ثالثة على هيئة قاعدة المثلث تسمى «حمالة»، وتُربط الأجزاء بخيوط قوية، وتزيّن بالخرز، ثم كان التطور إلى آلة «السمسمية» الحالية، ما يدل على أنها مصرية خالصة. ولعبت «السمسمية» في فترة حرب الاستنزاف في مصر دوراً بالغ الأهمية، إذ كانت الأداة الأولى والأكثر تأثيراً في تأجيج مشاعر الحماسة والمقاومة بين سكان مدن قناة السويس.