ولد الفنان القبلي محمد فيلاغ في الجزائر حيث درس المسرح، قبل أن يغترب ويقيم فترة في باريس، ومن ثم ينتقل الى مونتريال. إلا أن الغربة لم تعجبه أو تناسب طموحه الفني، فعاد إلى بلاده وزاول التمثيل والإخراج المسرحي، بين الجزائر وتونس، محققاً لنفسه في منطقة المغرب العربي نجاحاً ملموساً وشعبية كبيرة. وبعد جولات عالمية ومشاركة في العديد من الأفلام السينمائية الفرنسية، والتحضير لمسرحيات، يعمل فيلاغ حالياً بجهد لانهاء تدريباته المكثفة لعرض سيحمل عنوان «صدامات صغيرة بين الحضارات» ينوي تقديمه في باريس اعتباراً من الشهر المقبل. في منتصف تسعينات القرن الماضي، قرّر فيلاغ معاودة التجربة الباريسية فحضر إلى فرنسا وفي حقيبته مسرحية كوميدية فردية باللغة الفرنسية عنوانها «جرجراسيك بلد»، تسخر في مضمونها من الفيلم الهوليوودي «جوراسيك بارك» للسينمائي ستيفن سبيلربرغ وتطبق مضمونه على المغرب العربي. لاقى العرض نجاحاً ملحوظاً وتحول فيلاغ بين ليلة وضحاها إلى نجم كوميدي في فرنسا والبلدان المحيطة بها والناطقة بالفرنسية مثل بلجيكا وسويسرا ولوكسمبور وكندا. وجال في هذه الدول لأكثر من خمس سنوات متتالية بالعرض ذاته، قبل أن يؤلف «أوبرا القصبة» بإيحاء من عمل لبرتولد بريخت مجرباً هذه المرة العمل المسرحي الجماعي التقليدي، ولكن التجربة لم تحقق نجاحاً فعاد فيلاغ إلى ممارسة العروض الفردية، وقدم «الجمل الأخير» وثم «كل الجزائريين ميكانيكيون». وفي شكل موازٍ لعمله المسرحي الفردي شارك فيلاغ في أفلام سينمائية فرنسية عدة، وهكذا اكتشفته المؤلفة المسرحية الكندية إيفلين د لا شينيلير وفكرت في مدى صلاحيته لأداء الشخصية العربية الرئيسة في مسرحيتها «بشير الأزهر». وتدور أحداث العمل حول مغترب جزائري أرمل في مونتريال اسمه بشير الأزهر يعثر على وظيفة كمعلم في مدرسة، ولكنه لا يفلت من المتاعب مع السلطات الرسمية بسبب عدم تمتعه بحق العمل لدى جهة كندية حكومية مثل مدرسة لأنه لا يملك أوراقاً رسمية تسمح له بالبقاء الطويل المدى في البلاد. وركزت المؤلفة في مسرحيتها على التناقض الواضح بين التأهيل المهني العالي الذي يتميز به المعلم والذي يظهر بوضوح من خلال أسلوبه في تدريس التلاميذ، والطريقة العنصرية التي تعامله بها الجهات الرسمية. حكاية اللكنة هكذا انتقل فيلاغ من الفكاهة الفردية في فرنسا إلى العمل المسرحي الجماعي الدرامي في كندا، وقدّم دوره بتقنيات عالية وتركيز ملحوظ. والطريف في الحكاية أنه أدى دوره فوق الخشبة في كندا باللكنة الفرنسية الطبيعية لديه بينما كان محاطاً بفنانين من مونتريال ينطقون الفرنسية بلكنة خاصة بهم، ولكن الجمهور الكندي لم يجد أدنى صعوبة في فهم كل ما كان يقوله القبلي المغترب. وإثر ذلك تحولت المسرحية إلى فيلم سينمائي أخرجه الكندي فيليب فالاردو وعاد دور بشير الأزهر من جديد إلى محمد فيلاغ، علماً أن عنوان الفيلم هو «الأستاذ الأزهر» وأن بطله استحق مرة ثانية جائزة عن الدور ذاته. ويعكف فيلاغ حالياً مع أفراد فريق عمله على تكثيف تدريباتهم للعرض الذي سيحمل عنوان «صدامات صغيرة بين الحضارات» والذي ينوي تقديمه في باريس بدءاً من الشهر المقبل.