بعد حوالى ثلاثة أسابيع على سيطرة «الجيش السوري الحر» عليها وانسحاب قوات النظام منها، بدأت مدينة أعزاز في شمال سورية تستعيد حياتها الطبيعية بعدما أنهكتها المعارك على مدى أشهر طويلة، وتنظم نفسها لمرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. ويقول سمير الحاج عمر، رئيس المجلس السياسي للمدينة الذي تم تشكيله أخيراً لإدارة المدينة، «بعد المعارك، لم يكن لدينا شيء، لا ماء ولا كهرباء، ولا طعام. لقد أعدنا حوالى 80 في المئة من الخدمات». وفي 26 تموز (يوليو)، تمكن «الجيش السوري الحر» من بسط سيطرته كاملة على المدينة الواقعة عند الحدود التركية والتي هجرها غالبية سكانها السبعين ألفاً خلال المعارك المدمرة. ومنذ ذلك الوقت، يتولى المجلس السياسي ومجلس عسكري إدارة شؤونها وحل مشاكل السكان. وبعد خمسة أشهر من المعارك، أعادت المحال التجارية والأسواق فتح أبوابها. وعاد ثلاثة أرباع النازحين إلى منازلهم التي كانوا هجروها إلى مناطق أخرى، لا سيما إلى تركيا المجاورة. وكما الكثير من «المناطق المحررة» كما يسميها المعارضون السوريون، اختارت أعزاز نوعاً من «الحكم الذاتي». ويقول أبو موسى (تاجر) «منذ خروج الجيش، نشعر بحال أفضل. نحن سعداء وأحرار. لا ينقصنا إلا أن يرحل بشار». ولولا آثار الدمار هنا وهناك، لكانت أعزاز تشبه أي مدينة عربية خلال شهر رمضان: حركة بطيئة خلال النهار وزحمة مساء في الشوارع والأسواق التي تمتلئ بالسيارات والناس. إلا أن الأطفال يلهون هنا بالدبابات المحترقة ومدافعها التي لم تعد صالحة للاستعمال. ولا يعاني سكان أعزاز من أي نقص في المواد الغذائية، إلا أن سعر البنزين تضاعف أربع مرات، من خمسين ليرة لليتر الواحد (0.75 دولار) قبل الحرب إلى مئتين (3 دولارات). وفي مستشفى المدينة، نفد مخزون الأدوية المضادة للالتهاب والضمادات وأدوية الأطفال خلال فترة المعارك. ومن فريق الأطباء والممرضين المؤلف من 25 فرداً، لم يعد هناك إلا طبيب واحد، أنس العراقي، وثلاثة أشخاص لمساعدته. وينتقد الطبيب الذي يستعد لمعاينة صف طويل من عشرات النساء والأطفال، المعارضة السورية، ويقول «المجلس الوطني السوري لا يساعدنا. لا يعرفون إلا إغداق الوعود». ويضيف «أدعو الأغنياء إلى محاولة إيصال المال والأدوية إلينا. نحن نعيش على المساعدات، ومتروكون بين يدي الله وحده». ويوماً بعد يوم، تجذب مدينة أعزاز «المحررة» أعداداً جديدة من النازحين. وبلغ عدد اللاجئين إليها حوالى ألف قدموا خصوصاً من مدينة حلب التي تدور فيها معارك طاحنة منذ أسابيع. واستقروا لدى عائلات أو في مدرستين في المدينة. وهربت ماجدة (20 عاماً) من منزلها في حي صلاح الدين في حلب قبل ثلاثة أيام مع أولادها الثلاثة وأشقائها وشقيقاتها وشقيقات زوجها، بينما الأخير موجود في مدينة أخرى للعمل. لكنها لا تشعر بالأمان حتى في أعزاز. وتقول المرأة الشابة التي ترتدي حجاباً باللونين الأسود والزهري «سمعنا بالأمس أصوات المعارك، وسقطت ثلاث قذائف هنا». وتضيف «لا نشعر بالأمان في أي منطقة من سورية. نحن خائفون جداً». وتوجهت أعداد كبيرة من الذين قاتلوا ضد النظام في أعزاز إلى حلب حيث تدور الآن «المعركة الحاسمة». وعلى بعد خمسة كيلومترات من أعزاز، لا يزال مطار منغ تحت سيطرة قوات النظام، على رغم محاولات متكررة للجيش الحر للسيطرة عليه. وتقول ماجدة «أحياناً نتمنى الموت. ما نعيشه اليوم على أي حال هو موت بطيء».