ماذا تحب؟ وبماذا ستخصص وتعمل خلال السنوات الخمس المقبلة؟ سؤال وجهه مسؤولون لأكثر من 75 طالباً وطالبة من العالم العربي، يتابعون دروسهم في المرحلة المتوسطة، وذلك خلال جلسة حوار نظمها واحد من البرامج الحوارية أخيراً. والسؤال، على رغم سهولته وطريقته المباشرة وشخصيته، واجه إجابات صعبة جداً بالنسبة لعدد من الطلاب، الذين فصلوا، بمعظمهم، بين ما يحبون وما سيسعون إلى عمله. فبدا، لوهلة، أن هؤلاء الطلاب فصلوا بين القلب والعقل وفقدوا لذة الحلم والسعي وراءه. هذا الطالب الذي لا يحلم، ولا يطمح لتحقيق ما يحب، يسعى فقط إلى وظيفة (حكومية أو غير حكومية) تدر عليه عائداً شهرياً لأنه، وإن عرف ما يحب، فهو مقتنع بأن حلمه بمشروع خاص أو تحويل ما يرغب به إلى عمل خاص، أمر ليس سهلاً. ما زلنا، منذ سنوات طويلة، نسمع عن ضرورة تنظيم سوق العمل وتوجيه الاختصاصات وفق الحاجة، حتى باتت السوق اليوم تعاني من عشوائية ونسبة بطالة تزيد على 25 في المئة. وأصبحت المشكلة لا في التنظيم وحسب، بل في تقليص البطالة أيضاً. فأي مستقبل ينتظر الوطن العربي الذي تبلغ نسبة الشباب فيه ممن هم دون سن ال25 حوالى 70 في المئة؟ وأي خطة سحرية حالية قادرة على تأمين وظائف لهذه الفئة في غضون السنوات العشر المقبلة؟ لا يقع اللوم على الحكومات فقط، بل على شركات القطاع الخاص أيضاً، والتي باتت شريكة في المسؤولية عن زيادة نسبة البطالة من خلال البحث عن الخبرة والكفاءة حتى عند الخريجين الجدد، من دون أن تساهم مسبقاً في تأهيل هذه الفئة وفتح أبوابها للتدريب والاطلاع. نعم، الشركات قادرة من خلال أقسام العلاقات العامة على التواصل مع المدارس والجامعات وفتح أبوابها للزيارات الميدانية التي يمكن أن توجه الطالب عملياً إلى ما يحب، وبالتالي مساعدته في اختيار تخصصه المستقبلي. والشركات قادرة على استقبال الطلاب في السنوات المتوسطة والثانوية للانخراط في بيئة العمل ولو لفترة وجيزة. وفي إمكانها كذلك تبني أفكار لمنتجات وخدمات خلاقة عند الطلاب لتتحول إلى مشاريع ربحية. إلى ذلك، يمتلك عدد كبير من الشباب العربي أفكاراً إبداعية لمنتجات وخدمات، إلا أن معظم هؤلاء يفتقد الجرأة للمباشرة، مع العلم أن أنجح شركات العالم اليوم، هي وليدة أفكار شبابية بحتة. وعلى رغم قلة عدد حاضنات الأعمال في العالم العربي والشرق الأوسط التي من شأنها تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي لا تتجاوز 25 حاضنة (في أميركا الشمالية وحدها 2000 حاضنة)، إلا أن الكثير من المنظمات مستعد اليوم لتبني الأفكار الإبداعية الشبابية والمساعدة في تأسيس المشاريع الصغيرة التي تساهم أيضاً في تقليص حجم البطالة، ودعم الاقتصاد. يذكر أن الدول العربية عرفت في الآونة الأخيرة أهمية التشجيع على تأسيس شركات خاصة صغيرة ومتوسطة، فاتخذت مجموعة من الخطوات التشجيعية والمهمة لناحية تقليص عدد إجراءات التأسيس لتصل في المتوسط إلى 5 إجراءات تقريباً وتقليص عدد الأيام اللازمة لإنهاء هذه الإجراءات، وتوفير خدمات التسهيل وسواها والتي كان لها أثر جيد على بيئة النشاط الاقتصادي. مستقبل الشباب العربي المهني يمكن أن يبدأ من الشركات الخاصة بدلاً من أن ينتهي فيها، وفتح الأبواب الموصدة هو أسمى مهمة خاصة - عامة. * مستشارة في العلاقات العامة