بات ارتفاع عدد المنشآت الصغيرة في السعودية في الآونة الأخير مؤشرا جديدا على تقدم نوعي في عملية التنمية، يتناسب مع مكانة البلاد الاقتصادية، وخططها المستقبلية في مسيرة التقدم، حيث بلغت نسبة المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في السعودية 93 في المئة من إجمالي المنشآت. ولا تزال السوق السعودية قادرة على استيعاب المزيد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكن بمزيد من التنظيم عن طريق إنشاء هيئة عليا تهتم بتوجيه إنشاء العديد من حاضنات الأعمال. وتسعى السعودية جاهدة في إنشاء حاضنات الأعمال ومساندتها لتواكب المسيرة العالمية للمشاريع الاقتصادية، وقد تجاوزت حاضنات الأعمال في العالم خمسة آلاف حاضنة تشرف وتتابع المشاريع الصغيرة والمتوسط. التي هي عمدة الاقتصاد في العالم المتقدم. ففي عام 1985 نشأت الجمعية القومية لحاضنات الأعمال بأمريكا، وتضم حاليا 800 حاضنة أعمال أمريكية. في حين بنت اليابان نهضتها الصناعية معتمدة بالدرجة الأولى على المشروعات الصغيرة، حيث إن المشروعات الكبيرة ما هي إلا تجميع لإنتاج الصناعات الصغيرة التي تتكامل مكونة فيما بينها تلك المشروعات الصناعية العملاقة، وكان لاعتماد اليابان على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نحو 99.7 في المئة من عدد المشروعات وتشغل نحو 7 في المئة من اليد العاملة قاعدة عريضة للتنمية الاقتصادية؛ ما أثر في انخفاض نسبة البطالة وزيادة الإنتاج، وتحققت مشاركة الأفراد والأقاليم المختلفة في الناتج المحلي الإجمالي وبمعدلات وتراكم لرأس المال يتناسب مع التنمية التي تشهدها اليابان اليوم. وتوجد حاليا في أمريكا الشمالية نحو ألف حاضنة، وفي أمريكا الجنوبية 200 حاضنة، وفي أوروبا الغربية 900 حاضنة، وفي أوروبا الشرقية 150 حاضنة، وفي الشرق الأقصى 600 حاضنة، وفي إفريقيا والشرق الأوسط وغيرها 150 حاضنة فقط. معوقات وتقدم حاضنات الأعمال التي تؤسس في السعودية خدمات كبيرة بالنسبة إلى قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يؤسسها الشباب حيث توفر لهم دعما ملموسا لمشاريعهم، إضافة إلى أنها تعمل، من خلال المناخ الملائم الذي توفره، على تحويل الأفكار التي يقدمها هؤلاء الشباب إلى مشاريع واقعية يستفيد منها الشاب والوطن في آن واحد. بينما يرى بعض المراقبين أن المنشآت المتوسطة والصغيرة بحاجة إلى هيئة عليا تعنى بشؤونها. وتقوم بمهام من أبرزها تسهيل عمل هذه المنشآت، وتوفير مصادر الدعم والتمويل والتدريب واحتضان الأعمال الناشئة، فهذه المنشآت تعاني معوقات ومشكلات تمويلية وتنظيمية كثيرة، ويجب مساندتها وتنظيم أعمالها نظرا لما تمثله من ثقل في أكبر الاقتصاديات العالمية. وفي هذا السياق، وعلى سبيل المثال، تتجه لجنة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض في الفترة المقبلة للتعاون مع جامعة الملك سعود ومركز ريادة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وحاضنة بادر لتقنية المعلومات وبنك التسليف بغرض دراسة إنشاء جهة مستقلة تشرف على المشاريع الصغيرة وتدعمها.. وتعاون هذه الجهات المختلفة التي تتنوع خبرتها من شأنه أن يدعم أي منشأة صغيرة ويوفر لها سبل النجاح، ولكن هذا كله لا يكفي؛ إذ لا بد من توفر عنصرين أساسيين في نجاح أي عمل تجاري أو صناعي، وهما الكفاءة الإدارية، والروح التجارية، وهاتان لا تتوافران في الكتب ولا يمكن أن يتعلمهما الإنسان في الجامعة، بل تُكتسبان من خلال الممارسة، والعمل الميداني، ولهذا تعمد جميع الجامعات في العالم إلى تخصيص عام دراسي يعمل فيه الطالب في مؤسسة تجارية أو مصنع، ولهذا فإن الطالب عندما يتخرج لا يحتاج إلى فترة تدريب، ويندمج بسرعة في بيئة العمل الذي يعمل به، وهذا ما ينقص خريجي جامعاتنا، ولهذا فإنهم يفشلون في سوق العمل سواء كانت مشروعات تجارية أو وظيفة في إحدى شركات القطاع الخاص، ولهذا فخير ما تفعله هذه المجموعة من المؤسسات التي تسعى لدعم المنشآت الصغيرة أن تدرب أولا وقبل كل شيء أصحابها على العمل الإداري واكتساب الروح التجارية، وخير وسيلة لتحقيق ذلك هو أن يعملوا عاما في السوق نفسها في مؤسسة تجارية أو مصنع. يذكر أن من أشهر الحاضنات العاملة في السعودية: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا، ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وشركة عبداللطيف جميل، ومركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وحاضنة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، حديقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العلمية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والهيئة السعودية للمدن الصناعية والمناطق التقنية، إضافة إلى: مدينة حاضرة المستقبل للعلوم والتكنولوجيا، وحديقة جدة للتقنية الحيوية وكل منهما تحت التأسيس. صيغ الدعم وتختلف صيغ الدعم التي توفرها الحاضنات حسب الجهة التي تؤسسها، وحسب المجال الذي تخدمه، فمن الحاضنات ما تكتفي بتقديم دعم مالي للمشروع المقدم، ومنها ما تعمل على متابعة المشروع حتى مراحله النهائية، أي أنها في هذه الحالة تقدم له الخدمات الاستشارية، وتكون بمثابة الموجه والمرشد بالنسبة إلى المشروع، كما تقوم كذلك بعملية الإشراف الكاملة على المشروع ومتابعته. لقد نبعت فكرة حاضنات الأعمال من واقع الصعوبات التي أصبح الشباب يجدها الشباب في تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية خاصة مع تعقد المناخ الاستثماري وافتقار هؤلاء إلى الخبرة الكافية في مجال إدارة وتنفيذ المشاريع الاستثمارية، حيث يعد مجالا جديدا بالنسبة إليهم، وهو ما استدعى إنشاء جهات تقدم الاستشارات اللازمة للوصول بالمشروع إلى بر الأمان، وذلك من أهم الخدمات التي تقدمها الحاضنات. وتختلف أنواع حاضنات الأعمال الموجودة في السعودية حسب القطاعات التي تخدمها، وذلك رغم محدودية هذه القطاعات حيث هناك مطالبات كثيرة من شباب المنشآت الصغيرة والمتوسطة والخبراء في تنمية المشاريع بتوسيع رقعة عمل هذه الحاضنات بحيث تشمل مختلف القطاعات الاستثمارية النشطة في السعودية، مع العلم أن هناك من الحاضنات ما تقدم خدماتها بشكل عام دون النظر إلى تخصص المشروع، حيث إنها يمكن أن تخدم – على سبيل المثال- مشروعا في القطاع العقاري وفي الوقت ذاته تخدم مشروعا آخر في البتروكيماويات.