يعود المسلسل الكوميدي الفلسطيني «وطن ع وتر» بحلة جديدة، وهي ربما تكشف للوهلة الأولى عن مواطن الخلل التي رافقته في الأعوام الثلاثة الماضية. صحيح أن طاقمه وجد عوناً في قناة «الفلسطينية» التي تبنت انتاجه هذا العام بعد أن أنكره المدعي العام الفلسطيني، وأوقف بثه تلفزيون فلسطين في وقت سابق «لأسباب خاصة به»، ولم يكن ممكناً بالطبع الدفاع عنه من باب حرية التعبير بسبب من تدني مستواه وغرقه في نوع من التهريج المبتذل الذي لا يقنع بأن ما يقدم هو الكوميديا الراقية، أو حتى بعض أنواعها الشعبية المقبولة . تختار بعض حلقات الطبعة الجديدة من «وطن ع وتر هي هيك» الولوج إلى قضايا يومية معيشة في الأراضي الفلسطينية مثل بعض الجرائم التي حدثت، وآخرها جريمة نحر زوجة شابة (25 عاما) في مدينة بيت لحم من قبل زوجها لخلافات عائلية حول حضانة الأولاد، أو تلك الجريمة التي حدثت في طولكرم وراحت ضحيتها فتاة اكتشف والدها رسوبها في الثانوية العامة، فقتلها على مائدة الافطار. وتبدو المقدمة مناسبة للدخول في مساحة تشغل بال المجتمع الفلسطيني اليوم وتؤرقه لأنها تضرب في صميم البنية المجتمعية لكيان ما زال يرزح تحت نير احتلالات كثيرة. وما قيام فريق المسلسل باختيار شرائح مختلفة من هذا المجتمع للتعليق على مثل هذه الجرائم إلا خطوة نيّرة ومهمة لولا ان من يقوم بها فريق آثر التهريج في مرحلة سابقة، فلم تعد تنفع معه حيل «استدراج» مواطنين للتأكيد على حالة جدية لا يمكن التعبير عنها بالكوميديا، كما عبّر متجهماً الممثل الرئيس في العمل عماد فراجين أمام عدسة الكاميرا، وكأن الكوميديا لا تصلح لمثل هذه الموضوعات. بل أن الأداء هنا في مواجهتها نقل الفكرة برمتها إلى مربع اتهام المشاهدين جميعاً بممارسة نوع من التواطؤ غير المعلن مع قتلة من هذا النوع ، بحيث أنه لم يترك مجالاً للتفكير بغير ذلك. كان بوسع فراجين بالطبع ألا يطلق شتائمه، فتطاول الجميع، طالما أنه لم يحدد شكل المجرم وصفاته. كما انه لم يشرح لنا الواقع الفلسطيني «المثقف جداً»، والذي لا يقوم بمثل هذه الجرائم()، متناسياً أو متجاهلاً أو غير مدرك البتة لحجم التحولات والشروخ المختلفة التي أصابت هذا المجتمع في العمق وفي الصميم. ليس من مهمة مسلسل أن ينسب لنفسه وظائف غير متناسبة معه، لكن اختيار «نجم» المسلسل النزول إلى الشارع الفلسطيني لحصد تعليقاته حول مثل هذه الجرائم ينزع عن المسلسل نفسه هويته، ويحرفه باتجاه مسار آخر لا يمكن اجتيازه من غير الالتفات إليه وتصويبه، طالما أن صنّاعه يفرون إلى جهة غير معلومة بسبب من تضييق انتاجي ومعنوي عانوا منه في الفترة الماضية.