أولاً العنوان هذا ليس لي، وإنما عنوان رواية، أو قصة لمؤلف سعودي هو جار الله الحميد. موضوعي هنا مختلف عن أحداث القصة، لأنني هنا سأتكلم عن قصة الفتاة التي كانت حديث «الإنترنت»، والمجتمع السعودي، التي يقال أنها تنصرت وخرجت عن الدين الإسلامي، وأيضاً لا يعنيني دخولها أو خروجها، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يحكم على خلقه ويهدي من يشاء. لكنني سأتكلم هنا عن ظواهر لها صلة كبيرة بما قد يؤدي بالإنسان إلى التفكير في أشياء ربما تقلقه هو ولكن لا يجد من يستمع إليه، ربما هي الحيرة التي قد يصاب بها أي إنسان طبيعي يلجأ إلى الفكر ولا يجد إجابة عن كثير من الأسئلة التي يطرحها فكره. هناك كثير من الأسئلة تراود الإنسان المسلم بين طبيعة الدين الإسلامي النقي، الذي جاء على أساس مبادئ العدل والتسامح، والمساواة، والحرية التي تكون فيها العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى، فهو الألوهية والربوبية في أعظم صفاتها، والإنسان هو العبد الذي يعمل، ويعمر الأرض في ظل تعايش حقيقي مع كل البشر، يستفيد منهم، ويتعلم منهم بصرف النظر عن الدين، والجنسية، والمذهب، والطائفة، والعبادة عمل يتقرب به الإنسان لربه برضاه واختياره، فلا إكراه في شيء لا يقتنع به العقل ولا يطمئن به القلب، لكن المشكلة تكمن في أن العادات والتقاليد جعلها البعض جزءاً من الدين، ما جعل الكثيرين مجرد أدوات لتنفيذ هذه الأيديولوجية وصبغها بالدين على أيدي المتطرفين الذين غيّروا وبدّلوا كثيراً في الدين وشوهوا معالمه بالوصاية على الدين نفسه، قبل الوصاية على المجتمع، فأصبح الإنسان، خصوصاً من أنعم الله عليهم بنعمة العقل والتفكير، يعيش في حيرة بما عرفه وعلمه عن الدين وبين سلوك من يدعون العلم فيه، وتناقضاتهم بما يفتون وبما يحللون، ويحرمون، بين الدين والسلوك، بين الحلال المحرّم، وبين الحرام الواضح، بين الوضوح في مسائل دينية كثيرة عرفها المسلم عن دينه وبين الغموض في جلابيب التبريرات والوضوح بمنطق الدين نفسه، بين الجماعة والشرذمة، بين الصفوة والأتباع، بين الفكر واللا فكر. فمثلاً الشاب أو الشابة عندما يرون في بيوت جيرانهم تلفزيوناً مثلاً، وهو محرم عليهم بفعل وصاية الآباء من المتشددين، وهؤلاء مسلمون وهؤلاء مسلمون، لاشك أنه سيجعلهم يقعون في حيرة من أمرهم، كذلك عندما يزورون بلداً إسلامياً ويقارنون بين سلوكه، وبين سلوك مجتمعهم، أو الاختلاف على مسألة محرمة عندنا ومباحة في بلدان المسلمين، كذلك حينما يرون المغضوب عليهم في مجتمعنا بحجة الليبرالية، والعلمانية، وهم يسلكون مسلك المسلمين لا ذنب لهم سوى أنهم مختلفون في فكرهم ويعبدون الله على طريقة رسولهم «صلى الله عليه وسلم» وليس على طريقة الأوصياء من مدعيي العلم، والمشيخة، ويرونهم في حياتهم المرفهة بفضل هذه الحالات التي يتسابقون عليها وبين المطحونين من سواهم. كل هذا مدعاة للتهاوي في الخلاص بأي شكل من الأشكال التي تضمن لهم من وجهة نظرهم إنسانيتهم، وكرامتهم، وحقوقهم، التي ربما تزين لهم عقولهم سهولة الحصول عليها في دين غير دينهم، وفي مجتمع غير مجتمعهم، أضف إلى ذلك نعرات الطائفية، والمذهبية، والعنصرية، والتحقير، والنظر لمواطنين أصلاء على أنهم «طروش» وهم الموجودون في البلد قبل غيرهم، كل هذه الظواهر البغيضة تُدخل الإنسان في الحيرة بفعل قطيع من الأتباع لا يعرفون إلا الشتيمة والتكفير وبذاءة اللسان. [email protected] zainabghasib@