"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" -حديث شريف اتفق عليه جميع المسلمين-، فالكل يرى أنه المسؤول أمام الله عن محارمه وأبنائه، دون أن يقبل بشريك له في تربيتهم أو توجيههم أو حتى انتقاد بعض سلوكياتهم ومظهرهم الخارجي، إلاّ أن بعض أفراد المجتمع نصبّوا أنفسهم أوصياء على الآخرين، في اجتهاد فردي بعيد عن أي تنظيم مؤسسي رسمي. واتفق مواطنون مع رؤية صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية، خلال لقائه التلفزيوني المباشر مع القناة السعودية الأولى، ونقلته وكالة الأنباء السعودية "واس"، حيث علّق على المجموعة التي حاولت الدخول لمهرجان الجنادرية بغرض المناصحة وأجاب:"الموجودون من الزوار في الجنادرية هم آباء وإخوة للعائلات التي تزور الجنادرية، ولن يكون من يعتقد بأنه سينصح.. لن يكون أكثر حرصاً منهم على زوجاتهم وأخواتهم..". تقارب عائلي بداية، يرى "أحمد سليمان المحقوق" أن المجتمع مقبل على انفتاح في شتى أموره، وأن فكرة العزل تلاقي رفض الكثيرين، خاصةً أن الأماكن العائلية والمهرجانات الجماعية تحقق المُتعة لجميع أفراد العائلة، وتُقرّب الوالد من أبنائه وبناته يتفهم مطالبهم، بحيث يستطيع أن يستشف نوع الترفيه الذي تميل له أسرته، رافضاً في الوقت ذاته وجود مُقيّم لسلوكيات أسرته أو بناته وأبنائه المراهقين والمراهقات، موضحاً أنه كولي أمر يجد نفسه مُكمّل لهم ومقيم لسلوكياتهم، وليس بحاجة لمن يساعده في الأمانة التي أوكلها الله إليه. جهاز دعوي ورفضت "هيفاء" فكرة وجود مُقيّم لها ولطريقة حجابها أو هيئتها من قبل أي فرد من أفراد المجتمع، ما لم يكون ناصحاً وعضواً من قبل جهاز دعوي حكومي. وأضافت:"لا يحق لأي رجل أن يفرض وصايته علي وأن بمعية زوجي أو والدي، فأنا كامرأة لا أحتاج للوصي، والدين لم يجعل لأي فرد الحق في فرض الوصاية بل جعل راعياً لكل أسرة يرعاها ويلبي احتياجاتها". زعزعة ثقة وذكر "عبدالله العسيوي" أنه لا يقبل أي تدخل خارجي في تربيته لأبنائه، أو حتى في طريقة لباسهم أو قصات شعورهم، منوهاً أن ممارسة الوصاية في الوقت الحالي سيئة ولا تمت للدين والمجتمع بأي صلة، مطالباً بإنهاء بعض التصرفات الاجتهادية التي تسبب مشاكل لأفراد الأسرة، وقد تصل إلى زعزعة الثقة أو الطلاق -لا سمح الله-، فضلاً عن نشوب خلافات أسرية. واتفق معه "عمر عبدالله الدعجاني" مبيناً أنه كأب لا يحتاج إلى شريك خارجي في رعاية أبنائه وزوجته، قائلاً أن كل أب يعلم تماماً من يخرج معه وما هي سلوكيات أسرته ويراعي الطفرة العمرية التي يعيشها معظم المراهقين. مشكلات مزمنة وأشار "محمد الزنيدي" -إخصائي اجتماعي- إلى أن بعض الظواهر السلبية تنامت مؤخراً واستمرت في مجتمعنا، تُصور لقارئ المجتمع السعودي مد وجزر في انتشارها وذلك حسب الظروف الزمنية وإفرازاتها ومدى قوة تأثيرها على المجتمع، منوهاً أن ظاهرة الوصاية وتنصيب البعض لنفسه وصي على الآخر تفشت في الآونة الأخيرة رغم وجود الوصي الحقيقي، مما جعل تلك الوصاية غير المقننة تفرز مُشكلات اجتماعية مزمنة ذات تأثير نفسي واجتماعي على المجتمع. وحذّر من الوصاية الممارسة من قبل بعض الأفراد تحت مسمى "الاحتساب" غير المقنن، وذلك بفرض الرأي وإبداء المرئيات حول نمط حياة معينة أو تصوير شكل من أشكال الحياة المجتمعية، من خلال تغيير كل ما يمكن تغييره بالترهيب، وقد تصل إلى القوة، منوهاً أن ذلك الأمر ينذر بولادة طائفية مجتمعية جراء الأعمال الاجتهادية غير المقننة وفقاً لتنظيم مؤسسي وحكومي. وقال:"توجد شريحة كبيرة من مجتمعنا تحاول أن تعيد النظر أو تفلتر مثل تلك الممارسات من قبل البعض وهو حق مشروع خاصة أنها تدخل ضمن إطار الخصوصية، مقابل ذلك لا تتجه نحو قطع علاقتها بالله أو ما أمرنا بها ديننا الحنيف من قيم ومبادئ إسلامية سمحة، بل الهدف والغاية هي وضع حد لمثل تلك التصرفات المؤدية إلى انتهاك واضح وصريح للخصوصية ومس للكرامة". نحتاج إلى «وعي مفاهيم» وقطع دابر «المتجاوزين» وحسن الظن بالآخرين..وإنكار المنكر بلا منكر مسألة نفسية وأوضح "الزنيدي" أن البعض يرجع ممارسات الوصاية للعامل الثقافي أو حتى الحضاري، إلاّ أنها في حقيقة الأمر مسألة نفسية تخُص الشخص ذاته من خلال تعامله مع الآخرين، وجعل نفسه وصياً عليهم، متسائلاً عن شعور الوصي الحقيقي حيال مَن يُنصّب نفسه لإصلاح أهل بيته ومحارمه وتخطيه هو نفسه؟، وما هي تبعات ذلك على أمان أسرته وثقة الراعي برعيته؟. وأكد على أن ذلك يُعد انتهاكاً للحُرمة، واختراقاً للخصوصية، إذ أن هؤلاء يملكون رغبات اندفاعية وبشكل يدعو للرهبة كي يقحموا أنفسهم في حياة الآخرين، ويفرضون أنفسهم أوصياء على الآخرين، دون رقيب أو حسيب، مبيناً أن تلك الوصاية غير المبررة تتنج عنها نفسية واجتماعية عدة، وهدر للكرامة وتخويف الآخرين؛ بسبب التدخل المستمر في شؤونهم، فضلاً عن أن فرض الوصاية بالقوة يؤدي إلى توسع النزاع المجتمعي، واستنزاف مقدرة المجتمع في هذا الصراع، ما يؤدي إلى تمزق المجتمع وضعفه. جانب معنوي وشدد "الزنيدي" على أن فرض الوصاية من قبل البعض على الآخرين لا يدخل ضمن جانب ديني، بل ارتباطه بالجانب المعنوي والأخلاقي للإنسان، مثل أن يعتبرون أنفسهم أوصياء على الآخرين من هلال التلفظ المغلظ أو التمادي باليد على مراهق بحضرة ولي أمره بسبب ارتداء زي معين أو قصة شعر قد يرفضها المجتمع، مما يؤدي إلى ترسب الآثار السلبية في ذهن المراهق، وكذلك الوصي الحقيقي، على الرغم من أن المسألة هنا متعلقة بقضايا العقل والحياة العامة، وتجنب تلك الممارسات يؤدي إلى درء التناقضات المتعلقة بالفهم الديني والمرتبطة بالوصاية. ونوّه أن الدين الإسلامي دين سمح ويسر لا دين عنف وترهيب، بل دين ترغيب ومودة، ومثل تلك القضايا الشائكة تحتاج إلى إعادة النظر تجاهها، وتقييم مفهوم الوصاية لدى هؤلاء، من خلال الحوار والتشاور وتبادل وجهات النظر، والبعد عن أساليب القوة والفرض على المجتمع والأفراد. عبدالله العسيوي: لا أقبل أن يعلمني أحد كيف أربي أولادي..ثقتي فيهم أكبر محتسب ومتطوع وفرّق "د.يوسف أبا الخيل" بين "المحتسب" و"المتطوع" قائلاً:"المحتسب هو من عينه ولي الأمر لممارسة وظيفة الاحتساب، سواء أكان فرداً أم جماعة أو مؤسسة، وذلك كون الحسبة إحدى أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنها ليست مناطة بآحاد الناس أو جمعهم، بل إنها إحدى مسؤوليات القائم بأمر المسلمين، كما أن الحسبة مسؤولية سيادية من مسؤوليات الدولة، وبالتالي فمن تعينه الدولة لأدائها تلك الشعيرة, هو وحدة من له صلاحية ممارستها, بما يترتب عليها من إجبار المحتسَب عليهم ضمن الأطر النظامية والشرعية". وبيّن أن المُعيّن من قبل الدولة لممارسة وظيفة الحسبة، هو وحده من يطلق عليه لقب (المحتسب) أما غير المُعيّن، أي ليست له صفة رسمية فيُسمى (متطوعاً)، ولا يُسمى فعله احتساباً، بل نصحاً وإرشاداً، مشيراً إلى أن أبرز صفة يُفرق بها المحتسب عن المتطوع أن للمحتسب سُلطة إنكار المنكر وإزالته، أما المتطوع فلا يملك من ذلك شيئاً، فكل ما يملكه أن يُرشد الناس ويعظهم بالتي هي أحسن. وأوضح "د.أبا الخيل" الفروق الجلية بين احتساب المحتسب، وإرشاد المتطوع، حيث أن المحتسب تقتصر مهمته على الوعظ والإرشاد بالتي هي أحسن فحسب، وليس له حق التدخل في اختيارات الناس، و ليس له إجبارهم على فعل ما لا يريدون، أو ترك ما يرغبون، سواءً أكان الإجبار بالقول أم بالفعل. وذكر أن الإجبار القولي يتحقق عن طريق صراخ المتطوع وغلظته في القول وتقطيب جبينه وما أشبهها من مؤشرات العنف، كما أنه لا يجوز للمتطوع أو المحتسب أن يُنكر ما لا يتفق مع أهوائه ورغباته، حيث إن الفقهاء يُلزمون المحتسب الرسمي أن يكون عارفاً بالمنكرات المتفق على تحريمها على الأقل. واستشهد بما ذكره شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله- في مجموعة الفتاوى (15/48) حيث قال رحمه الله:"ليس للمحتسب منع الناس مما يسوغ فيه الاجتهاد وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع"، كما ذكر عن مالك وغيره من الأئمة أنهم كانوا يقولون:"ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه"، مبيناً أن العلماء المصنفين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أصحاب الشافعي وغيره يرون أن المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس بإتباعه فيها". د.يوسف أبا الخيل محمد الزنيدي