المشهد في واشنطن مألوف جداً. كل أربع سنوات يشتد التنافس بين المرشحين لشغل البيت الأبيض على طلب ود الجالية اليهودية وحب إسرائيل. يستحضرون أساطير التوراة لإضفاء القدسية على هذا الحب. يتحول الحب إلى دعم مادي مباشر يقرره الرئيس من دون أي سؤال في الكونغرس. ويتعهد منافسه بذل المزيد إذا نجح. الخلاصة مزيد من تسليح الدولة العبرية لمواجهة أعدائها (من هم؟)، والمزيد من مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها أو سجنهم داخل جدران أين منها جدار برلين. المقدس يبرر الجريمة، ويحولها إلى قيمة إنسانية. لم يشذ المرشحان للرئاسة هذا العام عن القاعدة الراسخة. فيما كان المرشح الجمهوري ميت رومني في طريقه إلى إسرائيل لجمع تبرعات لحملته الانتخابية، على ما أعلن، كان الرئيس باراك أوباما يجتمع في البيت الأبيض مع قادة اللوبي اليهودي في «إيباك». وأعلن خلال اللقاء أن الولاياتالمتحدة ستمد إسرائيل ب 70 مليون دولار إضافية لتمويل «القبة الحديد». ويتوقع أن يبرم البيت الأبيض، خلال أسابيع، صفقة عسكرية لتزويد إسرائيل 19 مقاتلة من طراز F-35. فضلاً عن هذا السخاء، أرسل أوباما وزير دفاعه إلى تل أبيب لطمأنتها أكثر إلى أن البلدين في خندق واحد لمواجهة إيران، واحتواء الوضع الجديد في سورية. أوباما ترجم حبه لإسرائيل عملياً. أما رومني الذي لم تفته الصلاة التقليدية أمام حائط المبكى فليس لديه ما يعطيه الآن سوى الوعود. تعهد الرجل الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للدولة العبرية. وألقى خطاباً أشبه بخطب نتانياهو. واعتبره بعض الصحافيين اليهود، ورئيس وزرائهم، تلميذين لملهم «الليكود» فلاديمير جابوتنسكي. وزيادة في إثبات حبه، اختار رومني مساعديه من أكثر المحافظين الجدد حباً لإسرائيل، وتطرفاً ضد أعدائها ومنتقديها حتى لو كانوا إسرائيليين أو أميركيين. بينهم جون بولتون وأريك أدلمان ودان سينور ووليد فارس. مع هؤلاء المستشارين ليس مستغرباً أن تتجلى العنصرية الأميركية بأبهى مظاهرها في خطاب رومني الذي قال إن التفوق الحضاري اليهودي وراء تقدم الدولة العبرية، وهذا ليس متوافراً لدى الفلسطينيين، لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في العلوم، متناسياً دور الاحتلال في فرض هذا الواقع. لا يبشر رومني بالخير، بل يذكر ببوش الابن. مستشاروه هم أنفسهم مستشارو الرئيس السابق. لم يغيروا آراءهم، وما زالوا على عنصريتهم وتعاليهم ومنحاهم العسكري المدمر. يكفي أن نراجع ما يكتبونه في منشورات مراكز الأبحاث وفي صحفهم. أما أخطاؤه الديبلوماسية خلال زيارته لندن ووارسو فليست سوى عينة بسيطة من غباء العنصريين اعتدنا عليها من رؤساء أميركيين سابقين أشهرهم ريغان وبوش. «أسس الولاياتالمتحدة أذكى الناس، لكنهم اختفوا منذ ذلك الحين (الكاتب الأميركي غور فيدال الذي توفي منذ أيام).