استبق الرئيس الأميركي باراك أوباما الجولة الخارجية لمنافسه الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ميت رومني، والتي يبدأها اليوم، بتحذير المواطنين من أن خيارهم خلال الانتخابات المقبلة «لا يمكن أن يكون اكثر أهمية». وقال في إعلان تلفزيوني جديد: «خلال الشهور الأربعة المقبلة تملكون حق الاختيار ليس فقط بين حزبين سياسيين أو شخصين، بل بين مشروعين مختلفين تماماً لبلدنا». وأضاف: «ترتكز خطة رومني على تقليص ضرائب الأغنياء لتعزيز ازدهار الاقتصاد وإفادة الجميع من ذلك، لكننا جربنا هذه المقاربة، ما تسبب بكارثة»، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية التي اندلعت قبل شهور من خلافته الجمهوري جورج بوش الابن في البيت الأبيض. وشدد أوباما على أن «الطريقة الوحيدة لخلق اقتصاد يدوم تتمثل في دعم الطبقة الوسطى، والطلب إلى الأغنياء دفع اكثر بقليل كي نستطيع تسديد ديوننا بطريقة متوازنة». وكان لافتاً أن إعلان أوباما الذي استغرق دقيقة واحدة خالف الإعلانات السابقة التي تميزت بضراوتها ضد رومني الذي ترسم جولته الخارجية المقررة بدءاً من اليوم، مفارقات واضحة في نهج وأسلوب إدارته للعلاقات الدولية مقارنة بمنافسه أوباما، خصوصاً في مقاربة العلاقات مع كل من إسرائيل وروسيا، إذ يسعى المرشح الجمهوري إلى علاقة أوثق مع تل أبيب، وأكثر برودة مع موسكو. وتكشف محطات الزيارة التي تستمر ستة أيام وتشمل بريطانيا وبولندا وإسرائيل، سعي رومني إلى إظهار اختلافه عن أوباما. ويعكس انطلاق الزيارة من لندن واستبعادها عواصم أوروبية أخرى كما فعل أوباما عام 2008 حين زار باريس وبرلين، تركيز رومني على التحالف التاريخي بين واشنطنولندن، ودغدغة «نوستالجيا» اليمين الأميركي الذي يحن إلى أوروبا «القديمة»، ويستمد بعض مبادئه من رؤساء وزراء تاريخيين بينهم وينستون تشرشل ومارغريت تاتشر. ولم ينسَ الحزب الجمهوري إعادة أوباما صورة تشرشل إلى البريطانيين لدى انتخابه، والتي كان أهداها توني بلير لحليفه السابق جورج بوش. وسيلتقي رومني رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون على غرار بلير وقيادات سياسية أخرى. وتبدو السياسات الاقتصادية لرومني المحافظ أقرب إلى كامرون، لكن موقفه من الحرب في أفغانستان ورفضه جدولة الانسحاب من هذا البلد يخالف موقف بريطانيا وسياسة أوباما. ومن بريطانيا يتوجه رومني إلى إسرائيل، الدولة التي تعهد مرات أنها ستكون أول محطاته الخارجية في حال انتخابه رئيساً في السادس من تشرين الثاني، فيما أوردت صحيفة «معاريف» أمس، أن أوباما ينوي زيارة إسرائيل رسمياً إذا فاز بانتخابات الرئاسة الأميركية. وتحمل زيارة رومني إسرائيل أبعاداً انتخابية كبيرة داخل الولاياتالمتحدة بسبب أهمية الصوت اليهودي - الأميركي، والانتقادات التي وجهها اليمين لأوباما بسوء إدارته العلاقة مع تل أبيب، ودعوته إلى وقف الاستيطان واصطدامه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في شأن جهود السلام. وتجمع رومني ونتانياهو علاقة طويلة تعود إلى السبعينات من القرن العشرين، حين عملا معاً في شركة للاستشارات في بوسطن. كما تلقت حملتهما الانتخابية أموالاً من البليونير اليهودي - الأميركي شيلدون أديلسون. من هنا سيكون لقاء رومني مع نتانياهو مهماً لاستقطاب أصوات ولاية فلوريدا الحاسمة، والتي كسبها أوباما في 2008. وكان المرشح الجمهوري انتقد سياسة أوباما تجاه إسرائيل ودعوته لوقف الاستيطان وعدم زيارته البلاد بعد وصوله البيت الأبيض. ورأى أن التحالف الإسرائيلي - الأميركي يجب أن يكون ركناً أساسياً لسياسات الولاياتالمتحدة في المنطقة. ويلتقي رومني أيضاً رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. وكان أوباما التقى عباس عام 2008، كما زار الأردن والتقى الملك عبدالله الثاني. وستكون بولندا المحطة الأخيرة على أجندة رومني، من اجل توظيفها «منصة» لانتقاد سياسة أوباما “الناعمة" تجاه روسيا. وكان المرشح الجمهوري وجّه انتقاداته لاذعة لسياسة الإدارة الحالية حيال موسكو في إطار حملته الانتخابية، واعتبر روسيا «الخصم الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة». وردت حملة أوباما باتهام رومني بمحاولة العودة إلى زمن الحرب الباردة. وفي إطارها الأعرض، ستشكل الجولة الخارجية لرومني محاولة منه لإبراز صورة قيادية له على الساحة الدولية. فالمرشح الجمهوري لا يملك خبرة خارجية أساسية، ويهيمن التشرذم على فريقه للأمن القومي بين المحافظين الجدد الممثلين بمستشارين بينهم جون بولتون ووليد فارس، وآخرين في الوسط بينهم دان سينور وريتشارد وليامسون. وشهد المؤتمر السنوي لمنظمة قدامى المقاتلين في رينو (نيفادا، غرب) دفاع أوباما بقوة عن سياسته الخارجية، وتوجيهه انتقادات ضمنية لمواقف خصمه الجمهوري. وقال: «قبل أربعة أعوام وعدت بمهاجمة أعدائنا وتجديد قدرتنا على القيادة في العالم. وهذا ما نفذته بصفتي رئيساً، لذا لديكم حصيلتي: الوعود التي قطعتها وتلك التي وفيت بها». وتحدث عن انسحاب القوات الأميركية من العراق الذي انجز في كانون الأول (ديسمبر) 2011، منتقداً قول رومني من دون أن يسميه إن «إعادة جنودنا ستكون خطأ». وكذلك ذكّر أوباما بإعلانه خلال حملة ولايته الأولى انه «إذا كان أسامة بن لادن في مرمى أهدافنا فسنتحرك لحماية الولاياتالمتحدة حتى لو كلف ذلك الذهاب إلى باكستان». وكان رومني ندد بهذه التصريحات، وهو ما كشفه فريق أوباما في أيار (مايو) خلال الذكرى الأولى لتصفية قوات كوماندوس أميركية زعيم تنظيم «القاعدة» في باكستان.