تؤكد أدبيات المرأة أنها كانت لحقبة طويلة ضحية العنف الزوجي بوجهيه الجسدي والنفسي. إنسانة ضعيفة تخضع لنزعة ذكورية طاغية وتستسلم لها على أنها قدر محتوم. تؤمر فتطيع، وتؤنب فلا تنبس ببنت شفة، تعاقب فتتألم بصمت ولا تتجرأ على إبداء أية مقاومة. إلا أن حالها اليوم لم تعد كما كانت بالأمس. فمعادلة العنف قد تغيرت، وانقلبت رأساً على عقب. وباتت المرأة تتجرأ على زوجها أو شريكها، وتبادله العنف بعنف مماثل. هكذا، أصبحت ثقافة عنف النساء إحدى ظواهر هذا العصر، والتي وصلت عدواها إلى المهاجرات في بلدان الاغتراب. شكوى ذكورية أظهرت دراسة كندية نشرت أخيراً تحت عنوان «شكوى الذكور»، تزايد شكوى الرجال من تنامي حالة العنف التي يتعرضون لها من جانب زوجاتهم. وجاء فيها أنه «حين يتعرّض الرجل لتهديد زوجته أو شريكته يتصل بالشرطة. وسرعان ما يجد نفسه في السجن، وهذا ليس مزاحاً. فرجال كثر يقعون ضحايا العنف النسوي، علماً أن الجميع يظن أن الرجال هم أشد قسوة على النساء في الحياة الزوجية، وهذا الأمر على ما يبدو مبالغ فيه كثيراً». فقد استطلعت الدراسة حوالى 500 كندية وكندي ينتمون إلى المجموعات الإتنو - ثقافية، بينهم عربيات ومسلمات. وأظهرت أن 46 في المئة من الرجال وقعوا ضحية عنف زوجاتهم، وأنهن ضالعات في أربع حالات من العنف: العنف الجسدي واللفظي والتهديدي والنفسي. ولم يكن عنفهن بداعي الدفاع عن النفس، بمعنى أنهن لم يتعرضن لأية حالة عنف من جانب أزواجهن. كما أكدت الدراسة أنه حين تتأزم علاقة الزوج بزوجته، تقوم بتصرفات عدائية، كتوجيه الإهانات الشخصية والصراخ بوجهه، ودفعه بقوة أو ضربه برجلها، أو عضه، أو رميه بما تجد أمامها من أدوات مؤذية. كما يعمد بعضهن إلى إتلاف الوثائق المهمة للزوج أو تهديده بالقتل، وصولاً إلى إنهاء حياته بآلة حادة أو بالسلاح. كذلك تشير الدراسة إلى تبادل أدوار ما تسميه ظاهرة «الخجل». فبعد أن كانت المرأة تتحاشى التعبير أو الجهر بتعرّضها لعنف الرجل، بات هو اليوم من يمتنع عن مثل هذا التصرّف ويخشى البوح عنه تجنّباً للتشهير به أو للنيل مما تبقى من ذكوريته، أو خشية اهتزاز مركزه الاجتماعي أو الوظيفي، أو تعرّضه للسخرية إذا ما اكتشف أمره أو اتهامه بالخوف والجبن، وتشويه سمعته وكرامته لدى مثوله أمام المحاكم. علماً أن مجمل القضايا التي ترفعها الكنديات يخرجن منها بأحكام قانونية قاسية على أزواجهن. ففي كندا مقولة شائعة مفادها أن القضاء الكندي متحيّز لمصلحة المرأة ونصير لها «ظالمة أو مظلومة». وتؤكد الدراسة أن العنف الزوجي ينجم عادة عن خلافات، أحياناً تافهة وأحياناً نتيجة تراكمات قديمة، أو لخلل في العلاقات الزوجية. وغالباً ما ينتهي بمأساة عائلية تصيب الأطفال وقد تتسبب بمقتل أحد الزوجين. وتلفت الدراسة إلى أن بعض حالات العنف بين الأزواج يُمارس أمام أطفالهم. فيصابون على إثرها بحالات مرضية نفسية، وينتابهم القلق والعجز عن التركيز والانتباه والتصرفات غير الطبيعية والتأخر في الدراسة، إضافة إلى بعض المظاهر العدوانية. مقارنات تشير «ستاتستيك كندا» إلى أن دوائر الشرطة سجلت العام الماضي 140165 ضحية عنف منها 33227 حالة، أي 83 في المئة منها ضد النساء، في مقابل 6938 حالة ضد الرجال (17 في المئة). وفي مقاطعة كيبيك، تسلّمت الشرطة 19731 ملف عنف، بينها 15790 ملفاً ضد النساء (حوالى 80 في المئة) في مقابل 3941 ملفاً ضد الرجال (20 في المئة). علماً أن الإحصاءات في هذه المقاطعة تشير إلى ارتفاع معدّل العنف النسوي ضد الرجال إلى حوالى 25 في المئة.