لا يقتصر التشفير في عالم الفضائيات الذي يقصد منه جلب المزيد من الارباح، بل ظهر تشفير من نوع آخر يمكن أن يطلق عليه «التشفير السياسي». بات معروفاً ان بعض الفضائيات، وخصوصاً الرياضية منها وتلك المتخصصة في عرض أفلام حديثة الانتاج وسواهما، تلجأ الى تشفير بثها بحيث يتعذر على المشاهد متابعة تلك المحطات ما لم يدفع مبلغاً معيناً من المال يذهب، وفق آليات معينة، الى خزينة المحطة المشفّرة، وبالتالي فإن الهدف واضح، وهو تحقيق ربح مادي، من دون أن تكون للمحطة أية غايات أخرى. «الغايات الأخرى»، التي نتحدث عنها، هي ذات طابع سياسي بحت، وهنا تكون الحكاية معكوسة، إذ يأتي التشفير والتشوبش من خارج المحطة وبعيداً من رغبتها، وهي لا تجد حلاً سوى تغيير تردداتها على مدار الساعة كي تضمن استمرار بثها. وتقوم بهذا النوع من التشفير دول وحكومات تجد في بث بعض القنوات «خطراً على مصالحها، وإضعافاً لروايتها الرسمية للأحداث»، فتضطر الى دفع أموال وتستخدم تقنيات عالية كي تنجح في حجب بث تلك القنوات عن المشاهد. ولعل المثال السوري يعبّر عن مثل هذا الإجراء. فالسلطات السورية لا تكتفي بوصف بعض المحطات ب «المغرضة»، بل هي، أو جهات مؤيدة لها، تقوم بالتشوبش على أبرز محطتين اخباريتين وهما «الجزيرة» و «العربية»، وكذلك بعض محطات المعارضة السورية، وهو ما يدفع السوريين الى البحث عن الترددات الجديدة للمحطة التي تعرضت للتشفير، خصوصاً ان الدراما الرمضانية في هذا الموسم لم تنجح في إبعادهم عن الفضائيات الإخبارية وسط التطورات والمستجدات السريعة والمتلاحقة للملف السوري. «حرب الفضائيات» هذه ليست جديدة، بل هي بدأت مع بدء البث الفضائي، حيث تتهم الفضائيات بأنها غالباً ما لعبت دوراً في توتير العلاقات بين الدول، لكنها نجحت، في المقابل، في تهدئة الاوضاع بينها في مناسبات أخرى. فالأداء الإعلامي لا يمكن أن يكون بريئاً، وخصوصاً في الفضاء العربي الذي يتأثر بموقف هذه الدولة الممولة أو تلك مهما ادعت الفضائية الاستقلالية والموضوعية. وفي سياق هذه «الحرب الفضائية» يبرز، كذلك، الموقف التركي من فضائية كردية داعمة لحزب العمال الكردستاني الذي تتهمه تركيا ب «الإرهاب»، فقد تدخلت انقرة، مراراً، لدى حكومات اوروبية كي تغلق هذه المحطة التي تبث من أوروبا، وهي نجحت مرات في ذلك. لكن القائمين على المحطة سرعان ما يبدلون الاسم واللوغو للانطلاق من جديد، فالمحطة التي بدأت باسم «ميديا» أطلت، بعد ان أغلقت قسراً، باسم «روج تي في، نهار»، وهي الآن تبث تحت اسم «ستيرك، نجمة» ومن المرجح ان هذا الاسم ايضاً سيتغير قريباً طالما ان تركيا ماضية في استخدام نفوذها لإغلاق المحطة. وتبقى الحقيقة الأكيدة ان فضاء البث عصي على الحجب والتشويش والتشفير.