(DREAM BOX) أو صندوق الأحلام ليس صندوقا يحوي ملايين الريالات، أو صندوقا مليئا بالفضة والذهب والألماس تحلم به كل الفتيات، ولا يحمل شيكا يسيل له اللعاب، لن يخطر في بالك ما هو هذا الصندوق العجيب؟، لأن الإجابة باختصار أن ما سيحققه من أحلام مختلفة عما في مخيلتنا فهو يخرجنا من دائرة الأرض إلى الفضاء الواسع؛ ليستقطب المتعة البصرية والسمعية المتمثلة في مشاهدة الأفلام والمسلسلات والأغاني والمباريات الكروية الواقعة في فضائيات لا يمكن أن نشاهدها إلا بدفع الأموال، خصوصا أنه يتعامل مع أهم مخترعات هذا العصر التلفاز، حيث انتقل من صيغته الإلكترونية البدائية ليصبح وسيلة اتصالات متطورة تستخدم أحدث التقنيات الرقمية لتوفير مجموعة واسعة من القنوات والخدمات ضمن أسعار اشتراك غالبا ما تكون في المتناول. لكن هذا الصندوق حطم القيود وكسر الشفرات واستطاع أن يريك ما تتخيل وما لا تتخيل دون أن تدفع أي مقابل سوى ثمن الجهاز وتركيبه الذي لا يتجاوز 600 ريال في الغالب، موفرا على المشاهد دفع آلاف الريالات للاشتراك في جميع الباقات المشفرة العربية والتركية والأجنبية. هذه الجهاز الصغير (الرسيفير) المحرم قانونا المحلل عرفا تحت اسم صندوق الأحلام يعتبر مطلبا للكثيرين ممن يريدون المتابعة التلفزيونية المجانية للقنوات المدفوعة، لكن أهدافهم تختلف، فمنهم من يريد متابعة المسابقات الكروية العاليمة والمحلية، ومنهم من يريد مشاهدة المسلسلات، والبعض الآخر يبحث عن المتعة المحرمة المتمثلة في مشاهدة الأفلام الإباحية وما خفي كان أعظم. تلك الممارسات على بشاعتها تتم في وضح النهار وأمام مرأى ومسمع الجميع، بل إننا نشارك فيها وربما كنا أحد المقترفين لهذه العملية التي نستطيع أن نطلق عليها «هتك لعرض الملكية الفكرية»، فما يحدث في محال تركيب الصحون اللاقطة (الدشات) المنتشرة في شوارعنا من ممارسات يعتبر انتهاكا واضحا لقوانين الملكية الفكرية يحاسب عليها الشرع والقانون، لكن الكثيرين لا يعرفون أن هذا جرم وإن عرفوا فإن الصمت هو قرارهم النهائي. «عكاظ» بعد أن ناقشت في الحلقتين الأولى والثانية قضية وعي المجتمع بالملكية الفكرية وإحدى صور الانتهاكات المتمثلة في مكاتب خدمات الطالب التي تبيع البحوث وتنسخ الكتب دون إذن، تواصل في الحلقة الثالثة والأخيرة كشف إحدى صور الانتهاكات المتمثلة في فك تشفير قنوات البث التلفزيوني، إضافة لنشرها نتائج استبيان موقع «عكاظ» الإلكتروني حول وعي المجتمع بأهمية الملكية الفكرية والتوصيات النهائية للملف.. فإلى التفاصيل: أينما اتجهت هذه الأيام تجد الحديث منصبا نحو المناسبة الأهم والأكثر جذابية نهائيات كأس العالم التي ستبدأ بعد أسبوعين في جنوب أفريقيا، فالكل مهتم ويريد أن يتابع المناسبة الرياضية، ولا سبيل للمتابعة إلا بطريقين أولها نظامية وهي شراء بطاقة التشفير الخاصة بالجهة التي تمتلك حقوق النقل التلفزيوني في المنطقة، وهي قناة الجزيرة، أما الخيار الآخر فهو خيار غير شرعي يتمثل في شراء جهاز فك التشفير (الرسيفير) صندوق الأحلام، قررت الوقوف بنفسي على ما يحدث في سوق محال تركيب الصحون اللاقطة وحدث التالي: في بداية جولتي أفصحت عن مهنتي لأحد أصحاب المحال وسألته، هل إقبال الناس أكثر على شراء بطاقات الاشتراك لمشاهدة كأس العالم أم أن صندوق الأحلام هو خيارهم؟. أجابني بخوف وتردد «لا يوجد مشتركون، لأن السعودية لم تتأهل لكأس العالم ونسبة الإقبال على شراء البطاقات ضعيف، أما صندوق الأحلام فلا أعلم عماذا تتحدث»، وأغلق المحل فورا، علما بأن الجهاز كان معروضا في المحل بشكل بارز. عرفت حينها أن مهمتي ستفشل إن أفصحت عن مهنتي، لذلك اتجهت لمحل آخر وسألته أريد أن أشاهد كأس العالم فأجابني صاحب المحل على الفور «إن أردت الاشتراك فالبطاقة ب 600 ريال لمدة ستة أشهر»، أي ضعف قيمتها الحقيقية بعد أن دخلت في السوق السوادء مع اقتراب بدء البطولة. وعلى الفور دون أن أسأله عن الخيار الثاني كان إجابته تسبق سؤالي حين قال «يمكن أن نركب لك جهازا يقصد به صندوق الأحلام قيمته 400 ريال، وثمن التركيب 200 ريال، وستشاهد كأس العالم وجميع المسابقات الرياضية والأفلام والمسلسلات و...». أسكته قائلا «لا أريد سوى مشاهدة المسابقات الرياضية».. عند هذا الحد انتهت هذه المغامرة. رقم جديد لا أعلم الرقم الحقيقي لمن اشتروا جهاز فك التشفير، وستظل الحاسبة تحسب يوميا مئات الحالات في المملكة طالما انعدمت الرقابة والمحاسبة، فالعمالة تمارس هذا العمل في انتهاك صارخ وواضح لحقوق الملكية الفكرية، ولا تجد من يردعها ويوقفها عند حدها. وقد اعترف نائب المدير التنفيذي للاتحاد العربي لمكافحة القرصنة علا خضير في تصريح سابق، بأنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى البرمجيات المدمجة والتطبيقات البرمجية وبرامج مشاركة البطاقات المستخدمة للتحايل على القنوات التلفزيونية المدفوعة بسهولة عن طريق شبكة الإنترنت والأفراد المبتزين، وطالبت بالملاحقة القانونية لمقتني أو مشتري أجهزة فك تشفير القنوات التلفزيونية، وأكدت أن الاتحاد العربي لمكافحة القرصنة يجد في بحثه لإيجاد مخارج لمعالجة هذه الحالة من خلال قيام الاتحاد بتكليف فريق مختص في مجال تكنولوجيا المعلومات لتحديد مختلف أشكال القرصنة عبر الإنترنت في محاولة لتعقب وتوقيف المخالفين في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وأضافت «أن القرصنة يظهر أثرها على النمو الاقتصادي والابتكار، وتشكل انتهاكا للقوانين، وتحد من فرص العمل، وتتسبب في خسائر تجارية كبيرة، وتقلص من الاستثمارات المستقبلية في المملكة، وبالتالي انسحاب عدد من المستثمرين في مجال الإعلام الفضائي. انسحاب ART تصريح خضير تحقق على أرض الواقع عندما جدد نائب الرئيس التنفيذي في راديو وتلفزيون العرب (ART) محيي الدين صالح كامل تأكيداته على أن أحد أهم الأسباب التي دفعتهم إلى الانسحاب من قطاع النقل الرياضي وبيع قنوات (ART) إلى الجزيرة الرياضية زيادة حالات القرصنة وفك الشفرة واختلال موازين المنافسة، وقال «هذا الأمر دفعنا إلى رفع الأسعار بالنسبة للمشتركين لتعويض الخسائر من جهة، وتزايد تكلفة الحقوق لنقل الدوري السعودي وتضاعف أرقام حقوق الأندية السعودية من جهة أخرى»، مضيفا «في عام 2004 كان سعر الاشتراك في (ART) رخيصا (30) ريالا في الشهر، ولكن مع تزايد حقوق النقل وعملية القرصنة وغير ذلك من تدمير للسوق التلفزيونية الرياضية اضطررنا للانسحاب، وأعلى سقف مشتركين في السعودية يصل (700) ألف مشترك، ولما بدأت عمليات القرصنة هبط هذا الرقم 50 في المائة، حيث يتم فك الشفرة بأرقام مالية رخيصة، ونحن لا يمكن أن نعمل في ظل هذه الأجواء إطلاقا». ولن يصل الأمر عند هذا الحد، بل قد يتطور لما هو أسوأ، وقد نحرم من مشاهدة البطولات الرياضية الدولية في السنوات المقبلة إذا استمر الحال على ما هو عليه بفك التشفير وانتهاك للملكية الفكرية، وهو ما أكده العضو المنتدب لشركة راديو وتلفزيون العرب محمد كابلي، مبينا أن عمليات فك تشفير القنوات التلفزيونية تعرض قطاع البث التلفزيوني للخطر، مضيفا أن هذه الممارسة تشكل احتيالا على الشركات التي تنفق ملايين الدولارات للحصول على حقوق البث، وبالتالي تحرمها من الأرباح التي يمكن أن تستخدم لتطوير الخدمات والتجهيزات والمرافق، فضلا عن توسيع نطاق الوصول للمشاهدين، ولفت إلى أن التناقص في الأرباح يؤدي إلى وقف عمل هذه الشركات الإعلامية، وبالتالي حرمان المنطقة كلها من مشاهدة المسابقات الرياضية وغيرها، مشيرا إلى أن آثارها قد تمتد لفقد العديد من الموظفين داخل السعودية لفرص عملهم ليضافوا إلى طابور البطالة الطويل. ضعف الإمكانيات وأرجع الكابلي ازدهار سوق القرصنة إلى قلة الوعي من قبل المجتمع وعدم وجود الرادع، إضافة لعدم تعاون الجهات المختصة مثل وزارة الثقافة والإعلام وغيرها في حل المشكلة جذريا، مشددا على ضعف إمكانيات الوزارة ساهم في ازدياد الظاهرة وتناميها. اتهام الكابلي وجد اعترافا من وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد المتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الرحمن الهزاع، أن وزارته تعاني من قلة عدد المراقبين الميدانيين المختصين، مضيفا «أن نظام المطبوعات والنشر أضيف إليه أخيرا نشاط بيع كروت القنوات المشفرة، وأجهزة الاستقبالات الرسيفر»، مشيرا إلى أنه تم التعميم على جميع المنافذ الحدودية بعدم دخول مثل تلك الأجهزة والكروت، إلا بعد موافقة وزارة الثقافة والإعلام عليها. وعذر المحامي المتخصص في قضايا الملكية الفكرية الدكتور ماجد قاروب وزارة الثقافة والإعلام بقصورها في مسألة مراقبة محال الصحون اللاقطة قائلا، «قبل أن نسأل ماذا فعلت الوزارة تجاه هذه المحال علينا نسأل ماذا توفر للوزارة من إمكانيات لتأهيل وتجهيز أجهزتها الرقابية في مسطح كبير كالمملكة فيها أكثر من خمسة ملايين منزل وأسرة»، ولفت قاروب إلى أن صعوبة المواجهة تكمن في أن العمالة التي تقوم بالقرصنة وانتهاك الملكية الفكرية تعمل بأسلوب المافيا ويتستر عليها عدد كبير من المواطنين والمقيمين المستفيدين ماليا ومعنويا، مقدما شكره للوزارة التي تعمل على حماية الملكية رغم ضعف الإمكانيات المتاحة لها. التوعية الشرعية وبالعودة لحديث محمد الكابلي حول أسباب انتشار القرضنة الفضائية، بين أن القصور في التوعية الشرعية تسببت في تعاطي الناس مع القضية بشكل اعتيادي، مشددا على أن شراء هذه الأجهزة وفك تشفير القنوات يعتبر عملية شراء من السارق، مشبها هذه القنوات بالحرز الإلكتروني، والعمال الذين يفكون التشفير بمن يكسر الحرز للحصول ما فيه دون وجه حق. هذا الاتهام من الكابلي فنده عضو المجامع الفقهية وعضو هيئة التدريس في كيلة الملك فهد الأمنية الدكتور محمد يحيى النجيمي، عندما أكد أن الشرع يجرم على اعتداء على حقوق الآخرين سواء كان ماديا أو معنويا، ومن ذلك فك تفشير المباريات الرياضية، وأضاف النجيمي «بما أن الراجح من أقوال العلماء أن المنافع الأموال والإنتاج الفكري وحتى الفضائي جرى العرف على اعتباره من المنافع فإن الاعتداء عليه محرم شرعا»، مشددا على أن العرف يصلح أن يكون مصدرا للحقوق ما دام لا يخالف نصا شرعيا ولا مبدأ من مبادئ الشرعية الإسلامية، داعيا لسن القوانين الرادعة التي تتضمن عقوبات مالية وسجنا وجلدا لكل من يتعدى على هذه الحقوق، مضيفا «يجب على ولي الأمر وضع القواعد التنظيمية لهذا الحقوق وكيفية حمايتها بل تعتبر من الشريعة، معتبرا أن هذه القرصنة تعد سافر على حقوق الناس وهي جرم كبير لأنها من أكل أموال الناس بالباطل والشريعة قد نهت عن ذلك». وعاد الكابلي ليؤكد أنهم في شبكة ART قد حاولوا التواصل مع عدة جهات لإيقاف هذه القرصنة التي كلفتهم خسائر بملايين الريالات، لكنهم لم يجدوا أذانا صاغية، مشيرا إلى أنهم وجدوا تعاونا دوليا في الوصول للجهات التي تفك الشفرات وأماكنهم خارج المملكة، لكن ازدياد حجم الخسائر جعلتهم يتخذون القرار النهائي بالإقفال. العمالة والجمارك من جانبه، حمل المحامي الدكتور ماجد قاروب انتشار العمالة السائبة ومخالفي أنظمة الإقامة في كل مناطق المملكة مسؤولية ازدهار سوق فك التشفير وغيرها من جرائم القرصنة التي تضر بالملكية الفكرية والاقتصاد الوطني، ولفت إلى أن من يتعذر بمسألة غلاء الاشتراكات في القنوات المشفرة مخطئ، معللا ذلك بغلاء حقوق النقل التلفزيوني وانعكاس ذلك على أسعار الاشتراكات، وعد فك التشفير مخالفة من الناحية القانونية سواء للمعتدي أو للمستفيد. بينما اعتبر الإعلامي عدنان حمد أن ضعف الرقابة على منافذ الجمارك ساهم في رواج هذه الأجهزة، ولفت حمد إلى أن ارتفاع معدل عمليات فك تشفير القنوات التلفزيونية سيؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، موضحا أن هذه الممارسة تعرض شرائح المجتمع المختلفة إلى محتوى غير أخلاقي تؤثر سلبا على السلوك القويم للمشاهدين من شريحة الشباب، وأفاد حمد أن مشاهدة العروض غير الأخلاقية عن طريق فك تشفير القنوات يشكل انتهاكا خطيرا للقوانين الإسلامية. منع الأجهزة لكن المتحدث الرسمي في وزارة الإعلام عبد الرحمن الهزاع دافع عن الجمارك، مشددا على وجود تعاون كبير بين الوزارة ومصلحة الجمارك في منع دخول أجهزة فك التشفير، مفيدا أن الوزارة تقوم بجولات دائمة على محال الصحون اللاقطة وتضبط بعض الأجهزة المخالفة وتصادرها، وتعاقب صاحب المحل بالغرامة والإغلاق، موضحا أن نشاط الوزارة لا يشمل فقط المحال بل يمتد للشقق المفروشة والمقاهي التي تشتري كروت فك التشفير الخاص بالمنازل وتعمل بها في المقاهي والشقق، مفيدا أن الوزارة قد ضبطت أكثر من مخالفة في هذا المجال وعاقبت أصحاب هذه المقاهي والشقق، وأشار الهزاع إلى أن الوزارة في صدد تطوير أنظمتها الرقابية والقانونية لمكافحة كل الجرائم المتعلقة بفك التشفير التي تعتبر انتهاكا صارخا للملكية الفكرية. وعن دور الوزارة في مكافحة العمالة التي تقوم بفك الشفرات وتركيب هذه الصحون قال الهزاع «هذا الأمر ليس من صلاحياتنا، فمن غير المعقول أن نطارد العمال في الشوارع»، مطالبا بتعاون أكبر من قبل البلديات وإدارات الجوازات؛ لمكافحة هذه العمالة التي تعد العصب الرئيس للمحال المنتهكة. توصيات ملف الملكية الفكرية 1- نشر ثقافة الملكية الفكرية ورفع وعي المجتمع بأهميتها. 2- تطوير نظام قضائي فاعل ومتخصص، وتشديد العقوبات على المعتدين والتشهير بهم. 3- قيام وسائل الإعلام بأدوارها سواء على مستوى التوعية أو على مستوى تناول قضايا التعدي بموضوعية وحيادية. 4- إجراء دراسات بحثية عميقة تحدد حجم الخسائر بدقة. 5- قيام علماء الدين والدعاة بأدوارهم في المساجد والمنابر. 6- إطلاق حملة تشارك فيها جميع الجهات ذات العلاقة لتوعية المجتمع بخطورة انتهاك الملكية الفكرية. 7- قيام الجامعات بإنشاء مراكز لحماية الملكية الفكرية. 8- تعزيز قدرة الأجهزة الرقابية في الجهات المخولة بمحاربة انتهكات الملكية الفكرية. 9- إطلاق جائزة سنوية لأفضل جهة تحارب الانتهاكات. 10- إنشاء مركز وطني لمكافحة الاعتداء على الملكيات الفكرية أو مركز لحماية الملكية الفكرية تشارك فيه كل الجهات المخولة.