بتوزيع موسيقي جديد، ابتكر كل من عازف الفلوت المصري محسن عبد ربه، وعازفة البيانو الروسية هيلينا دزا مشفيل، معالجة استثنائية لأعمال فنان الشعب سيد درويش، فقدما في حفلتهما التي أقيمت أخيراً في «مركز الحرية للإبداع»، التابع ل «صندوق التنمية الثقافية المصري»، مقطوعات التحمت فيها الإيقاعات الشرقية التي استخلصها عبد ربه خلال تجاربه الفنية الطويلة على آلة الفلوت، مع النغمات الغربية لآلة البيانو، ليبدعا معالجة هارمونية جديدة لأعمال سيد درويش، إضافة إلى أعمال كبار فناني عصر الباروك والعصر الكلاسيكي وفناني الموسيقى المعاصرة. استطاع عبد ربه، في هذه التجربة، أن يستعيد الموسيقي الشرقية في أبهى تجلياتها ليعطيها طابعاً معاصراً مميزاً، من دون المساس بتراثها المتجذر، فامتزج في الموسيقى سحر الشرق بوهج الغرب. قدم العازفان معالجة لأغاني «أنا هويت وانتهيت» و «أهو ده اللي صار» و «عشان ما نعلى ونعلى». كما اختار عبد ربه ومشفيل أن يأخذا جمهورهما إلى عالم بيتهوفن وجورج فردريك هاندل ورائد التأثيرية كلود دي بوسيه، وقدما جزءاً من «الفصول الأربعة» لأنطونيو لوتشيو فيفالدي ومقطوعة «عندليب الأوبرا». واعتبر عبد ربه في دردشة مع «الحياة» أن الحفلة مثلت «استنطاقاً لجزء من ملامح من التاريخ الموسيقي الغربي في أوصال الحياة الاجتماعية والثقافية العربية المعاصرة، وسعت إلى تعريف الحاضرين بشكل من أشكال الموسيقى الكلاسيكية الغربية الصرفة عندما تتآلف مع موسيقى عبقري الشرق سيد درويش». ويرى أن سيد درويش «يمتاز بأنه، وفي أي لحظة من اللحظات اللحنية، يمكن لموسيقاه مصاحبة أي من الدرجات الموسيقية أو كلها، في أي ترتيب وبأي نظام، من دون الإخلال بالتوافق الهارموني، ومن دون أي نشاز ولو للحظة، ما يفتح مجالاً واسعاً لتكوينات هارمونية متعددة ومتجددة يمكن أن تصاغ في أي وقت». ويضيف: «نسعى بقوة إلى إعادة الكلاسيكية إلى عرشها القديم، وعلى رغم محاولاتنا مع الكثير من المثقفين لنشر الموسيقى الكلاسيكية إلا أنها تظل في إطار نخبوي». أما هيلينا، التي تعزف مع عبد ربه منذ عشرين سنة فتقول إن «التعبير الموسيقي الراقي عن أحاسيس فنية مرهفة هو القاسم المشترك بين الشرق والغرب، فالموسيقى لغة عالمية لا تحتاج سوى إلى جمهور يتقاسم شغفاً بجمالية الموسيقى». وكان لافتاً في الحفلة تفاعل العازفَين الماهرين، وكلاهما في العقد السادس من العمر، مع جمهور حاشد من مختلف الأعمار، فشكّلت الموسيقى فضاء استثنائياً احتفى برومانسية الموسيقى الشرقيةوالغربية. ومحسن عبد ربه من عازفي الناي الأوائل في الشرق الأوسط، وأطلق عليه «ملك الفلوت»، إذ مثّل ظهوره في سبعينات القرن الماضي طفرة فنية عربية، وأخرج محمد كامل القليوبي،عن مسيرة إبداعه، فيلماً وثائقياً عنوانه «فلوت»، كما ضم المعجم الشامل للموسيقي العالمية اسمه في قائمة أعلام الموسيقى الرفيعة حول العالم. وحظي محسن عبد ربه بالتكريم في مناسبات عدة، بعدما قدم عشرات الحفلات في أوروبا، كما نال وساماً بدرجة فارس في الفنون والآداب من الجمهورية الفرنسية. أما هيلينا دزا مشفيل فهي أستاذ زائر في أكاديمية الفنون، وتحيي حفلات في أوروبا وروسيا. اختارها محسن عبد ربه لمهارتها الفائقة في عزف البيانو، كما أنه يتشارك في حفلاته مع عدد من أمهر العازفين في مختلف دول العالم يصاحبونه في عزفه المشرقي.