غيَّب الموت أمس نائب الرئيس المصري المخلوع رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عمر سليمان عن 77 سنة أثناء خضوعه لفحوصات طبية في مستشفى «كليفلاند» في ولاية أوهايو الأميركية. وفور إعلان نبأ الوفاة، عقد المجلس العسكري اجتماعاً طارئاً للبحث في ترتيبات الجنازة وأفيد بأنه استقر على إقامة جنازة عسكرية للجنرال الراحل فور وصول جثمانه من الولاياتالمتحدة. وقالت مصادر قريبة من المجلس العسكري ل «الحياة» إن من المقرر أن يشارك رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي في الجنازة. وأشرفت السفارة المصرية في واشنطن على إجراءات نقل الجثمان إلى مصر، برفقة ابنتي سليمان. وقال القائم بأعمال الناطق باسم الرئاسة ياسر علي في تصريح مقتضب إن تشييع سليمان «سيتم وفقاً للقوانين الخاصة بالقوات المسلحة، وستكون هناك جنازة عسكرية طبقاً لما تقرر»، مضيفاً أن «رئاسة الجمهورية أرسلت برقية عزاء إلى أسرة سليمان، وستوفد مندوباً لحضور العزاء». وفي حين صمت المجلس العسكري عن ذكر أي ترتيبات تخص الجنازة، نعى مجلس الوزراء سليمان على لسان الناطقة باسمه وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة أبو النجا التي قالت إن «الفقيد ابن بار من أبناء مصر قدَّم لها عطاء متواصلاً في المهمات كافة التي تولاها وكان محل تقدير من جموع الشعب المصري كافة، كما كان محل تقدير عربياً ودولياً لعطائه المشهود له في مراحل عمله كافة. ويدعو مجلس الوزراء المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته وأن يدخله فسيح جناته». وأعلنت السفارة المصرية في واشنطن في بيان أنها أخطرت من قبل ذوي سليمان بوفاته صباح أمس في مستشفى كليفلاند وأن سبب الوفاة «مرض وراثي في الدم تم اكتشافه أثناء الفحوصات التي كان يجريها في المستشفى». ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن ديبلوماسي مصري في واشنطن قوله انه «تم الاستفسار من مصادر طبية في مستشفى كليفلاند عن سبب وفاة سليمان، فأفادت بأن الوفاة نتيجة سكتة قلبية مفاجئة». وقال القائم بأعمال رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، عصام العريان على موقع «تويتر»: «لا أجد أمام لحظة الموت إلا قول إنا لله وإنا إليه راجعون، عمر سليمان أفضى إلى ما قدَّم وبين يدي رب هو أعلم به، ذهب ومعه أسرار كبيرة». وأثارت «الجبهة السلفية» جدلاً ببيان اعتبرت فيه أنه «لا يجوز حضور جنازة سليمان أو الصلاة عليه». وقالت إن «سليمان يصنف على أنه من المجرمين والقوم الفاسقين وكان من جنود وأعوان (الرئيس المخلوع حسني) مبارك الظالمين الذين أفسدوا وأجرموا في حق الوطن». وأجاز البيان «الفرح بموت سليمان»، مشدداً على ضرورة عدم الحزن على موته. وسارت «الجماعة الإسلامية» على النهج ذاته، وأثارت تساؤلات عن حقيقة وفاة سليمان. وطالبت في بيان ب «التثبت من حقيقة الوفاة للكشف عما إذا كانت هذه الوفاة حقيقية طبيعية أم أنها محاولة للإفلات من المحاكمات التي تنتظره أم أنها تمت للتخلص التام من خزينة الأسرار التي يحملها، خصوصاً أنه كان ركناً لنظام نسَّق ونظَّم وتعاون مع دول أجنبية بما يضر بمصالح الشعب المصري وشعوب أخرى مجاورة». وأضافت الجماعة: «أياً ما كان الأمر فالجماعة الإسلامية ترى أن عمر سليمان كان أحد أركان النظام السابق وأفنى عمره في خدمته والتستر على جرائمه التي اتخذت أشكالاً عدة من تعذيب إلى تصفية جسدية بل وامتدت أياديه إلى القيام بالتعذيب لمواطنين أبرياء ورعايا دول أخرى بالوكالة لمصلحة أجهزة استخبارات أجنبية لا تسمح قوانينها ولا أخلاقياتها المزعومة بذلك». ورأت أنه «ينبغي أن يدفن مثل هذا الرجل في هدوء بعيداً عن مظاهر التكريم لأنه لا ينبغي تكريم من أجرم في حق شعبه وأمته في حين أن مناضلي الوطن الذين أفنو أعمارهم في معارضة النظام السابق مازالوا يعانون الحرمان السياسي بسبب معارضتهم النظام الذي كان أحد زبانيته عمر سليمان». في المقابل، نعى المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة الفريق أحمد شفيق، رئيس آخر حكومات مبارك، الجنرال الراحل. وقال في بيان وزَّعه مكتبه في القاهرة إن سليمان «كان مصرياً وطنياً مخلصاً خدم بلده سنوات طويلة وأقرَّت بخبراته مختلف الدول». وتقدم بالعزاء إلى «أسرته وكل محبيه والمؤمنين بمنهجه وتلاميذه، داعياً الله أن يتغمده فسيح جناته وآملاً بأن يحكم عليه التاريخ بما يستحق». وسليمان المُلقب ب «الجنرال الغامض» هو كاتم أسرار نظام مبارك وأحد أهم مسؤوليه، وعُرِف بغموضه وظل وجهاً غير معروف للشارع المصري يتردد اسمه، لكن من النادر أن تظهر صوره في وسائل الإعلام، حتى اضطلع بملفات السياسة الخارجية الحساسة عقب خروج الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من وزارة الخارجية ونقل إدارة هذه الملفات إلى الاستخبارات. ورغم الظهور العلني لسليمان في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، فإنه بقي «رجل الظل» يتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين لعقد هدنة، ويدير صفقة تحرير الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة غلعاد شاليت، وينقل رسائل مبارك إلى حكام شمال السودان وجنوبه، ويتدخل على خط العلاقة المتوترة بين مصر ودول حوض النيل، لكنه ظل على الدوام بعيداً من التعاطي مع الشأن الداخلي، على الأقل في الواجهة. وربما لم يسمع كثير من المصريين صوته الجهوري إلا حين أدَّى اليمين الدستورية نائباً لمبارك الذي عيّنه في محاولة لامتصاص الغضب الذي اجتاح ميادين مصر إبان ثورة 25 يناير، معتقداً بأن المطالب التي كانت انتشرت لترشيح سليمان للرئاسة قبل الثورة بشهور كفيلة بإخماد الثورة، لكنه فشل في مسعاه، بل وقضى انخراط سليمان في مفاوضات مع القوى السياسية لإنهاء التظاهرات على جزء كبير من شعبيته وأضرَّ بصورته، خصوصاً حين قال إن المتظاهرين تحركهم «أجندات أجنبية» وأن «الشعب غير جاهز للديموقراطية». وكما الملفات التي أدارها سليمان في الظل من تعقيدات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى الوضع السوداني وعلاقات مصر الخارجية مع البؤر الملتهبة، لم يكتب لمفاوضاته مع القوى السياسية في الداخل النجاح، وانتهى دوره بأن عهد إليه مبارك بقراءة بيان التنحي ليودع المناصب الرسمية. وتردد أن العلاقة بين مبارك وسليمان توطدت بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الأول في أديس أبابا العام 1995، إذ كان مقرراً يومها أن يستقل مبارك سيارة عادية، إلا أن سليمان أصرَّ على أن يستقل مبارك سيارة مصفحة في تنقلاته في العاصمة الإثيوبية، ما مكَّنه من الإفلات من الاغتيال. وللجنرال الراحل علاقاته الخارجية المتشعبة مع قادة ومسؤولين في الدول العربية والغربية، إذ أدار على مدار سنوات «الملفات الحساسة» في السياسة الخارجية لمصر وكان «رقماً مهماً» في ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما أنه على اطلاع بالجهود الدولية لمكافحة «الإرهاب». ولاحقته اتهامات تضمنتها كتب وتقارير غربية عن ضلوعه في برنامج «التعذيب بالوكالة» إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وبعد تنحي مبارك توارى سليمان إلى أن استدعته محكمة جنايات القاهرة للشهادة في قضية قتل المتظاهرين التي دين فيها مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي. ثم تصدر المشهد السياسي لبضعة أيام حين أعلن نيته الترشح للرئاسة وشرع في جمع توكيلات لدعم ترشيحه، غير أن اللجنة العليا للانتخابات استبعدته من القائمة النهائية للمرشحين، بعد أن اكتشفت أن عدد التوكيلات أقل مما هو مطلوب. وانسحب من الساحة السياسية بهدوء بعد أن ملأها صخباً بحديثه عن «الصندوق الأسود» لجماعة «الإخوان المسلمين» الذي لم يفتحه إلى أن وافته المنية أمس. واعتبر مراقبون ترشحه غير المكتمل حيلة لتسهيل إخراج نائب مرشد «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر والمحامي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل من سباق الرئاسة. ولد سليمان في 2 تموز (يوليو) 1935 في محافظة قنا في صعيد مصر، وتخرج في الكلية الحربية، ثم تلقى تدريباً عسكرياً إضافياً في أكاديمية «فرونز» في الاتحاد السوفياتي السابق. وفي الثمانينات حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة عين شمس، كما حصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وماجستير في العلوم العسكرية. تولى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة، وترأس الاستخبارات العسكرية. وفي 22 كانون الثاني (يناير) 1993 عين رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة. وخلال فترة توليه منصب نائب الرئيس تعرض لمحاولة اغتيال أدَّت إلى مقتل اثنين من حراسه وسائقه الخاص، لكن لم تعرف الجهة التي نفَّذت محاولة الاغتيال، وإن كان لمح في تصريحات صحافية إلى تورط أجنحة من نظام مبارك. وهو متزوج ولديه 3 بنات.