إطلالة نائب الرئيس المصري عمر سليمان على شاشات التلفاز لإلقاء البيانات أمر جديد أفرزته انتفاضة الشعب ضمن أمور مستجدة أخرى على الساحة. فقد ظل رئيس الاستخبارات السابق وجهاً غير معروف للشارع المصري يتردد اسمه، لكن من النادر أن تظهر صوره في وسائل الإعلام، حتى اضطلع بملفات السياسة الخارجية الحساسة عقب خروج الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من وزارة الخارجية ونقل إدارة هذه الملفات إلى الاستخبارات قبل نحو عشر سنوات. وعلى رغم الظهور العلني لسليمان (74 عاماً) في هذه السنوات، فإنه بقي «رجل الظل» يتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين لعقد هدنة، يدير صفقة تحرير الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة غلعاد شاليت، ينقل رسائل الرئيس حسني مبارك إلى حكام شمال السودان وجنوبه، يمسك بتلابيب العلاقة بين مصر ودول حوض النيل بعدما توترت، لكنه ظل على الدوام بعيداً من التعاطي مع الشأن الداخلي، على الأقل في الواجهة. هو نادر الحديث لوسائل الإعلام بطبيعة عمله الاستخباراتي، حديث العهد بالتعاطي مع الوقوف أمام الكاميرات لإلقاء البيانات. ربما صوته الجهوري لم يسمعه كثير من المصريين إلا حين أدى اليمين الدستورية نائباً للرئيس، وهو مطلب طالما ظلت المعارضة تنشده. غير أن الملفات التي أدارها سليمان في الظل من تعقيدات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى الوضع السوداني وعلاقات مصر الخارجية مع البؤر الملتهبة، لم يكتب لأي منها تحقيق اختراق جوهري، فكلها ملفات لم يحمل أي منها مقومات النجاح. وحتى حين ترك الرجل العمل الاستخباراتي وبات يضطلع بالدور السياسي الأهم في مصر، كان قدره أن يدير وضعاً معقداً أيضاً، لكن هذه المرة يتعلق بالداخل لا بالخارج. بات سليمان الضلع الأهم في النظام السياسي الذي يطالب مئات الآلاف من المحتجين بإسقاطه. أعلن أنه كُلف من مبارك إدارة حوار مع المعارضة للخروج من المأزق الراهن. طاولة سليمان سيتبدل الجالسون إليها من رؤساء وعسكريين ومسؤولين أمنيين أجانب وعرب، إلى قادة أحزاب وقوى سياسية مصرية. المفاوضات والأحاديث والآراء ستنتقل من محاضر الاجتماعات المطبوعة بخاتم «سري جداً» إلى صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات. عُرف عن سليمان ولاؤه للرئيس مبارك «رفيق» الحياة العسكرية. لم تغره دعوات المعارضة وكتاب سياسيين إلى تولي الحكم، فبمجرد أن ظهرت في الشارع لافتات وملصقات تدعو إلى ترشيحه في انتخابات الرئاسة المقبلة التي باتت في مهب الريح، اختفت على عجل، لتظل المطالبات قاصرة على الكتابات الصحافية. وحين خرجت الأمور عن السيطرة في «جمعة الغضب» العاصفة، كان سليمان «الرجل الأمين» على عرش مصر فعُين نائباً، لئلا يضرب البلاد فراغ سياسي في حال تطورت الأمور إلى حد تنحي الرئيس، لكن زيادة الحشود رفعت سقف المطالب فبعدما كان تصعيد سليمان مطلباً للمعارضة تُرفع الآن اللافتات الرافضة لتوليه الرئاسة، وبدأت تتردد الهتافات: «لا مبارك ولا سليمان» ليواجه الرجل واقعاً يقتضي مقاربة دقيقة توازن بين «الشرعية والشارع».