ظلَّ المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر نائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان رقماً صعباً في التفاعلات السياسية الخارجية لبلاده، وكذلك تطورات الأمور داخلياً في أعقد الأزمات بحكم منصبه رئيساً للاستخبارات العامة على مدار 18 عاماً، وهو الآن يعود رقماً صعباً أيضاً في خريطة انتخابات الرئاسة المصرية المقرر الشهر المقبل. فعلى رغم اقتلاع ثورة «25 يناير» عرش الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أن نائبه وكاتم أسراره يحتفظ بشعبية وسط البسطاء كانت سبباً في تأييد قوى سياسية لخلافته مبارك قبل الثورة. لكن سليمان الذي عُرف عنه ولاؤه لمبارك «رفيق» حياته العسكرية. لم تغرّه دعوات المعارضة وكتّاب سياسيين إلى تولي الحكم. فبمجرد أن ظهرت في الشارع لافتات وملصقات تدعو إلى ترشحه في انتخابات الرئاسة قبل الثورة، اختفت على عجل، لتظل المطالبات قاصرة على بعض الكتابات الصحافية. تلقى عمر سليمان تعليمه في الكلية الحربية، وحصل على الماجستير في العلوم العسكرية. تولى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة قبل أن يعمل مديراً للاستخبارات الحربية. وفي 22 كانون الثاني (يناير) من العام 1993 عُيِّن رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة. ظل عمر سليمان متوارياً خلف ظل العمل الاستخباراتي إلى أن أجبرته الثورة على الخروج إلى علانية العمل السياسي، إذ سعى حسني مبارك إلى امتصاص غضب الشارع مع بداية اندلاع الثورة عبر تنصيبه نائباً للرئيس في 29 كانون الثاني (يناير) 2011. وحين خرجت الأمور عن السيطرة في «جمعة الغضب» العاصفة، كان سليمان «الرجل الأمين» على عرش مصر بتوليه منصب نائب مبارك. لكن الخطوة لم تكن كافية لوأد الثورة. أطل سليمان مراراً على شاشات التلفزيون أثناء الثورة لإلقاء البيانات. لكن الشارع المصري لم يكن يعرف وجهه على نطاق واسع وإن كان إسمه معروفاً. ولم تظهر صوره في وسائل الإعلام إلى أن اضطلع بملفات السياسة الخارجية الحساسة عقب خروج الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى من وزارة الخارجية ونقل إدارة هذه الملفات إلى الاستخبارات قبل نحو عشر سنوات. وعلى رغم الظهور العلني لسليمان (75 عاماً) في هذه السنوات، فإنه بقي «رجل الظل» يتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين لعقد هدنة، أو يدير صفقة تحرير الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة غلعاد شاليت، أو ينقل رسائل مبارك إلى حكام شمال السودان وجنوبه، ويمسك بتلابيب العلاقة بين مصر ودول حوض النيل. لكنه ظل على الدوام بعيداً من التعاطي مع الشأن الداخلي، على الأقل في الواجهة. عُرف عنه أنه نادر الحديث لوسائل الإعلام بطبيعة خلفيته الاستخباراتية، حتى أن صوته الجهوري لم يسمعه كثيرون من المصريين إلا حين أدَّى اليمين الدستورية نائباً لمبارك. لكن «رجل اللحظات الأخيرة» الذي أنقذ مبارك من موت محقق حين أصرَّ على اصطحاب سيارة مصفحة أثناء زيارة الأخير لأديس أبابا في العام 1995 حمته من رصاصات الأصوليين، لم يستطع أن ينقذ عرشه من الثورة. فحين ترك سليمان العمل الاستخباراتي وبات يضطلع بدور سياسي، كان قدره أن يدير وضعاً معقداً، إذ أشرف على الحوار مع القوى السياسية أيام الثورة، وهو الحوار الذي أُجهض قبل أن يبدأ بفعل الحشود المليونية التي كانت تملأ شوارع مصر. والآن اختار سليمان، كعادته، اللحظات الأخيرة لتفجير مفاجأة ترشّحه لرئاسة مصر ليلقي حجراً كبيراً في مياه ظلت راكدة لشهور ولم يحركها إلا قليلاً ترشح النائب السابق لمرشد «الإخوان المسلمين» المهندس خيرت الشاطر.