حين ترى كتاباً قد لقي رواجاً، وصار ينفد من السوق كلما طُبع، فإن ذلك لا يدل - بالضرورة - على قدر قيمة الكتاب فكرياً، أو ثقافياً، أو أدبياً، ولا يدل - بالضرورة - على أن الكاتب قد أبدع وجدّد، وبزَّ أقرانَه ومنافسيه؛ لأن الإبداع ليس بالسبيل الأوحد لتحقيق ذلك، فهناك أسباب أخرى للرواج وإن لم تكن شريفة متعالية. كما أن القيمة الإضافية للكتاب ليست هي المعيار الوحيد الذي يجعل الكتاب بحق منافساً على صدارة النتاج والرواج؛ ولكنها معيار صادق من معايير مختلطة، يمتزج فيها الصحيح بالباطل. نعم! ستجد للكتب المميزة فكراً وثقافة وأدباً مكاناً منافساً في الصدارة؛ ولكن ستجد كتباً أخرى تزاحمها على الصدارة، وليس لها من مؤهلاتها إلا استثارة الغرائز بطريقة الأدب المكشوف الرخيص، على طريقة: ما يطلبه المراهقون والواقعون في المراهقة المتأخرة. رواج لروايات الأدب المكشوف يشبه إلى حد بعيد رواج الأفلام الإباحية؛ حتى في الدول المتحررة من قيود الأخلاق والحياء، والعلة الجامعة بينهما هي كثرة الطالب لهذه المثيرات الجنسية بشتى صورها. في بلادنا تستجدُّ كلَّ زمن موضة أو موضات يُسمى بها ذلك الزمن، وزمننا هذا يمكن أن يُسمى - بالنظرة الأدبية - بزمن طفرة الروايات السعودية؛ حتى ليظن الظان أنه سيصبح لكل عشرة مواطنين روائيٌّ واحد، وليس مزعجاً أن تكون لدينا طفرة في فن الرواية، فالرواية في نفسها ليست مما يمكن تجريمه، أو إدانته والحكم عليه بالذم بإطلاق؛ ولكن المزعج الذي تجب إدانته أن يُبتذل هذا الفن ابتذالاً يجعله كالبديل عن الأفلام الإباحية، فينحصر الإبداع فيه في التفنن في إثارة الغرائز. ولا ندري! هل ستكون هذه الروايات الجنسية بأقلامنا السعودية مجردَ موضة عابرة، ثم لا يصح بعدُ إلا الصحيح؟ وهل سيصبح الزمن كفيلاً بطَمْر هذا الغثاء الماجنِ الرخيص؟! نرجو ذلك؛ ولكن أيكون أمدها قريباً أم بعيداً؟ أخشى ألاّ ينتهي إلا بعد خراب مالطا؛ كما يقال! هذه الروايات المتخمة بالمثيرات الجنسية لا عمل لها غير أن تثير في النفوس ما لا حاجة إلى إثارته، وكان الأولى بها أن تسهم في كبح الجماح، وتقويم الشطط، وتهذيب الفكر والسلوك. الروائي الذي لا يجد أفكاراً تستحق أن تُنسج على رِدائها روايتُه إلا ما كان سقفه ينتهي عند حد العورة وما هو من سبيلها هو - بلا شك - روائي مفلسٌ من إبداع الخيال الروائي، وإن كان ثمة إبداع فهو إبداع التفحش والبذاءة. وإذا كنا نلوم من يُجرِّم فن الرواية جملةً وتفصيلاً، فإن روائي الأدب المكشوف هو أولى باللوم؛ لأن يده هي التي لطخت صفحة الرواية بقذى الأقلام ومدادها الرخيص، وأولى منه باللوم من يكتب له تقريضاً وتقديماً وثناء ممن يعدون أنفسهم من نقاد الأدب. الرواية فن يتأتى فيها الإبداع وبث الأفكار والتصورات الجميلة ولو لم تكن مثالية تسبح في خيال بعيد لا ظلال له في الواقع، ألم يبدع روائيون كثير من شتى الأجناس والأديان، وتحقَّق لرواياتهم رواجٌ من غير أن يُحوجهم الأمر إلى لغة الأدب المكشوف؟! ما حاجة الناس إلى تفصيلات ما يجري في المخادع وراء الأبواب الموصدة؟ أهي الواقعية التي يجعلونها ذريعةً لإباحة كل شيء، ولترويج الرخيص باسم الفن والأدب! وأي أدب؟ الأدب المكشوف! الكاتب مطالب بأن يعطي القراء ما يحتاجون إليه، وليس قصاراه أن يعطيهم ما يرغبون فيه، والكاتب الذي يدع القارئ في موضعه من الفهم والشعور قبل القراءة يستوي وجوده وعدمه، بل يرجح عدمه على وجوده؛ لأنه يضيع على القارئ وقته بغير جدوى، وكذلك يفعل مؤلفو روايات الأدب المكشوف. * أكاديمي في الشريعة.