توطئة تبريرية قال لي صديقي: أكثرت علينا من المقالات عن فوز «الإخوان المسلمين» في مصر! أجبته: «الإخوان المسلمون» فازوا في غير مصر أيضاً فلم أكتب عنهم. إذاً فأنا أكثرت في الكتابة عن فوز مصر، البلد الكبير الذي لا تستكثر عليه الكتابة مهما كثرت. *** سأبدأ مقالي هذا بنكتة متداولة، ويقال بأنها واقعية! تزوج رجل مسن بفتاة صغيرة، زوجة ثانية على زوجته الأولى، أم عياله. وانغمس العريس الجديد في شهر عسل طالت مدته عن الشهر والشهرين والثلاثة، فجاءه أولاده الكبار يذكّرونه بالعدل الشرعي في تخصيص يوم لزوجته الأولى (أمهم) ويوم لزوجته الأخرى وهكذا. فنظر إليهم الأب شزراً وقال: يا ظلمة ... تريدون العدل؟! أنا أمضيت مع أمكم خمسين سنة ... كلها لها، والعدل الآن أن أمضي خمسين سنة مماثلة كلها مع هذه الزوجة الجديدة، ثم بعد انقضاء الخمسين سأبدأ بالعدل اليومي ... يوم هنا ويوم هناك! أسوق هذه النكتة «الرجالية»، التي لن تضحك منها زوجتي، الأولى والأخيرة (!)، ولا القارئات الكريمات، لأوظفها في الدخول إلى جدلية سياسية مشابهة تتعلق بالرئيس المصري الجديد محمد مرسي. إذ تنطوي أدبيات السياسة والإدارة، عرفياً، على إعطاء الرئيس الجديد مهلة 100 يوم قبل البدء بتقويم أدائه ونقده ومحاسبته. لكن أنصار الرئيس مرسي يعترضون على الوعيد الذي ينتظره نقّاد المرشح الإسلامي بعد انقضاء مهلة المئة يوم، بأن هذا ليس عدلاً. إذ إن مرسي ليس رئيساً آخر جديداً فقط وامتداداً لسابقيه، كحال مبارك والسادات وعبدالناصر، أو بشار وحافظ، أو بن علي وبورقيبة، أو بوتفليقة وبومدين وبن بيللا. الرئيس المصري الجديد يمثل تياراً آخر وفصيلاً جديداً مغايراً للتيار الذي حكم مصر والعالم العربي في المئة سنة الماضية. ولذا يرى مناصرو الرئيس «الإسلامي» أن العدل هو إعطاء مرسي مهلة 100 عام من الحكم قبل البدء بمحاسبته وتقييمه في بقية فترة حكمه! مهلة المئة عام ستكون طويلة ومملة على المراقبين، وهي مطلب لا يمكن القبول به أو تطبيقه، لأسباب: أولاً: الرئيس المصري «الإسلامي» محمد مرسي سيكون في عام 2112 غير محمد مرسي 2012، ولا أحد يجزم إن كان في ذلك التاريخ سيكون ما زال رئيساً مغايراً ومختلفاً أو أنه سيكون قد تحول إلى رئيس آخر هو امتداد لمبارك والسادات و و و الخ ...! ثانياً: الفريق أحمد شفيق وأنصاره لن يصبروا مئة عام حتى يثبتوا للناخب المصري أنه أخطأ في اختياره مرسي، لأن شفيق نفسه بعد مئة عام أيضاً سيكون قد تخلى عن كثير من وعوده الإنتخابية التي كان وعد بها الناخبين أثناء معركة الترشح. ثالثاً: الناخب نفسه سيكون بعد مئة عام قد غيّر كثيراً من مطالبه وتطلعاته، بحيث لم تعد ترضيه أو تغريه لا الوعود الإنتخابية لمرسي ولا لشفيق. أما إذا استمر الشعب، حتى عام 2112، على نفس مطالبه وتطلعاته في عام 2012، عندها سيتبين أنه لم تكن هناك حاجة لتغيير الرئيس ... بل لتغيير الشعب! * كاتب سعودي [email protected] Twitter|@ziadaldrees