يتنقل الصحافي الأشهر في تركيا أوغور دوندار، المعروف بتحقيقاته الساخنة لملاحقة الفساد والفاسدين، في باصات متحدثاً مع العامة، فيشعرهم حديثه في برنامج جديد له، في شكل غير مباشر، بأن جرحه ما زال ينزف، إذ أن دوندار أحد صحافيين يتهمون رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بالتسبّب بطردهم من محطات تلفزة وصحف كانوا يعملون فيها، بسبب مواقفهم المنتقدة والمعارضة لسياسات حكومته، وذلك من خلال الضغط على رجال الأعمال أصحاب تلك المؤسسات. يروي دوندار لركاب الباص نكتة، مفادها بأن نابليون بونابرت عاد إلى الحياة مجدداً، وتوجه إلى البيت الأبيض وتناول عشاءً مع الرئيس باراك أوباما، وقال له: «لو كانت لدي قوة الجيش الأميركي، لما انهزمت في معركة واترلو». ثم ذهب نابليون إلى موسكو حيث تعشّى إلى مائدة الرئيس فلاديمير بوتين، وقال له: «لو كان لدي جهاز استخبارات مثل «كي جي بي»، لما خسرت معركة واترلو». وأخيراً توجّه إلى اسطنبول وتناول عشاءً مع أردوغان، وقال له: «لو كان لدي هذا الإعلام المدجّن في تركيا، لما عَلِمَ أحد في العالم أنني خسرت معركة واترلو». وبعيداً من المزاح، يخسر مزيد من الإعلاميين المعارضين لاردوغان، مراكزهم، وآخرهم الصحافية عائشة نور أرسلان من قناة «سي أن أن تورك»، وقبلها جان دوندار وميرغون جاباس وروهشان شاكر من «إن تي في». ويلاحظ الجميع أن أردوغان لا يهمل أي مناسبة لانتقاد الصحافة وكتّاب الزوايا المعارضين، بسبب آرائهم ومواقفهم وكتاباتهم، حتى عندما تحدّث عن إسقاط سورية الطائرة التركية، خلال خطاب أمام البرلمان. لكن المعارضة البرلمانية ترى أن المستقبل سيكون أسوأ، في ما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، إذ مع بقاء حوالى مئة صحافي قابعين في السجن، على ذمة قضايا سياسية معظمها لاتهامهم بالمشاركة في تهيئة الأجواء لانقلاب، لم يحدث، ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، أو الانتماء إلى خلية انقلابية، فإن مواد اقترحها الحزب الحاكم وتتصل بحرية الصحافة والإعلام، ضمن مشروع الدستور الجديد الذي تناقشه لجنة خاصة من كلّ الأحزاب في البرلمان، أثارت رعباً وقلقاً لدى أحزاب المعارضة، بسبب رؤية الحكومة للحريات في شكل عام. وينصّ الدستور الحالي الذي وضعه الجيش العام 1982، على حرية الإعلام في تركيا، فيما تقترح حكومة أردوغان فرض رقابة على الإعلام، في سبع حالات فضفاضة، تقيّد حريته حتى لا يتعرّض أو يؤثر في السلم الأهلي، أو ما يتعلق بالعادات المحافظة والأخلاق العامة، أو تأثيره في القضاء أو انتشار الجريمة أو التعرّض للحياة الخاصة. كما يتيح المشروع الذي سيُناقَش مطلع الشهر المقبل، اعتبار المطابع ومحطات التلفزة، أدوات جريمة إن شاركت في نشر ما ينتهك تلك المسائل. وعلّق النائب عن «حزب الشعب الجمهوري» المعارض أتيلا قارط على ذلك، معتبراً أن «الحكومة لن تكتفي بإقصاء الصحافيين المعارضين لها، بل تعمل على مصادرة المباني والأجهزة التي يعملون من خلالها، ما يشكّل تهديداً أكبر لأصحاب المؤسسات الإعلامية». وأضاف: «هذا مثير للدهشة، ومؤشر إلى رغبة جامحة في السيطرة الكاملة على الإعلام، في شكل يشبه عقلية طالبان الأفغانية». وأشار قارط إلى أن «الدستور الذي وضعه الانقلابيون العام 1982، أكثر حرية في مسائل الصحافة والإعلام، من المشروع الذي طرحه الحزب الحاكم الذي يدعي أنه يعمل دوماً من أجل الديموقراطية والحرية». على صعيد آخر، بدأت في اسطنبول أمس محاكمة 50 شخصاً، بينهم 46 محامياً، اتُهموا بإقامة صلة وصل بين الزعيم المسجون ل «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، وحزبه المحظور.