خفّض صندوق النقد الدولي للمرة الثانية منذ اجتماعات الربيع في نيسان (أبريل) الماضي توقعاته في شأن الناتج العالمي. وحذر من تفاقم الأخطار المهددة للاقتصاد والنظام المالي العالميين، مشدداً على أن مصير النمو والاستقرار المالي على المستوى الدولي، بات مرهوناً بما سيحدث في منطقة اليورو والولاياتالمتحدة في الأشهر المقبلة. لكن الصندوق الذي حدّث توقعاته، استثنى الاقتصادات العربية من الاتجاهات العامة للاقتصاد العالمي وأخطارها، متوقعاً تسارع وتيرة النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعزا ذلك إلى «استمرار منتجي النفط الرئيسيين في تعزيز الإنتاج وتطبيق سياسات الإنفاق الحكومي الداعم للطلب المحلي». وعدّل الصندوق خفضاً نسبتي النمو المتوقعتين للاقتصاد العالمي لهذه السنة والعام المقبل في شكل طفيف، لكنه رفع متوسط نسب نمو الاقتصادات العربية لهذه السنة في شكل دراماتيكي يعتبر سابقة، وأبقى على متوسط النمو للعام المقبل، على رغم توقعه تراجع أسعار النفط العالمية في هاتين السنتين. واستناداً إلى التوقعات المحدّثة للمؤسسة الدولية، تسير الاقتصادات العربية نحو تحقيق متوسط نمو يُحتمل أن يبلغ 5.5 في المئة هذه السنة، وهي نسبة قوية تزيد على توقعات نيسان (أبريل) الماضي بنسبة 1.3 في المئة، وتناهز في الوقت ذاته نسبتي النمو المحققتين خلال العامين الماضيين، إذ بلغتا 5 و3.5 في المئة على التوالي. ومع احتمال تراجع أسعار النفط بنسبة 2.1 و7.5 في المئة، وأسعار السلع الخام الأخرى 12 و4.3 في المئة هذه السنة وفي 2013، ستنخفض نسبة النمو العربية إلى 3.7 في المئة العام المقبل. وفي أولى المؤشرات الإيجابية لدول «الربيع العربي» على الصعيد الاقتصادي، توقع خبراء الصندوق أن تساهم ليبيا بحيوية في أداء الاقتصادات العربية، إذ سينمو ناتجها المحلي بنسبة 117 في المئة خلال هذه السنة، بعدما انكمش بنسبة 60 في المئة عام 2011، مضاعفاً في المحصلة قيمته من 36 بليون دولار العام الماضي إلى 90 بليوناً هذه السنة، ومن ثم إلى 100 بليون عام 2013. تحذير لكن كبير الاقتصاديين في صندوق النقد أوليفيه بلانشار، حذّر من أن «يواجه الاقتصاد العالمي أخطاراً جدية»، موضحاً أن «التعديلات الطفيفة التي أجراها الصندوق على توقعاته في شأن الآفاق الاقتصادية، لا تفترض نجاح مقرري السياسة في منطقة اليورو والولاياتالمتحدة في اتخاذ ما يلزم لتجنب الأخطار المهددة للاقتصاد والنظام المالي العالميين فحسب، بل نجاح سياسات الدعم الجاري تطبيقها حالياً في حماية الاقتصادات الصاعدة من التباطؤ. وانحصر تحديث توقعات الصندوق في خفض نسبة نمو الناتج العالمي هذه السنة إلى 3.5 في المئة، في مقابل 3.6 في المئة في نيسان الماضي، ونسبة نمو السنة المقبلة إلى 3.9 في المئة مقارنة ب 4.1 في المئة. ونتج التعديل من خفوضات طفيفة طاولت الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو، وأخرى أكثر حدة جاءت من نصيب بريطانيا من الاقتصادات المتقدمة وكل من الهند والبرازيل والصين من الاقتصادات الصاعدة الرئيسة. وأوضح بلانشار، أن «التعديل السلبي الطفيف الذي أجراه الصندوق على وتيرة الانتعاش العالمي، يفترض اتخاذ إجراءات محلية كافية في الأشهر المقبلة، لتخفيف حدة التأزم تدريجاً في الأوضاع المالية السائدة في دول محيط منطقة اليورو، منها اليونان وإسبانيا، وكذلك تفادي احتمال حدوث تشديد مالي حاد في الولاياتالمتحدة عام 2013، إضافة إلى نجاح سياسات الحوافز الاقتصادية في الدول الصاعدة الرئيسة. ونبّه كبير الاقتصاديين الذي يرأس إدارة البحوث المعنية بإعداد تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن أكبر الأخطار التي تواجه انتعاش الاقتصاد العالمي، يكمن في احتمال تفاقم أزمة منطقة اليورو نتيجة التأخير في تطبيق الخطوات المتفق عليها من جانب صناع القرار في المنطقة أو عدم كفايتها. ووصف قرارات مؤتمر قمة 28 حزيران (يونيو) الماضي ب «خطوة في الاتجاه الصحيح». وقال: «بصريح العبارة، لا بد لدول المحيط من النجاح (في تخطي أزمتها)»، مشدداً على أهمية أولوية التطبيق الفوري لمقررات قمة منطقة اليورو الأخيرة، خصوصاً وضع حد للتفاعلات السلبية القائمة بين الديون السيادية والمصارف، وتحقيق مزيد من التقدم على صعيد الوحدتين المصرفية والمالية.